هل ستصدر شهادة وفاة منظمة «التعاون»!
لم تكن ولادة مجلس التعاون الخليجي عام 81 طبيعية، بمعنى اقتناع أنظمة الحكم في تلك الدول بضرورة التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية تمهيداً لخلق كيان سياسي موحد في ما بعد، بل كان عملاً أمنياً خالصاً، وردّة فعل على الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية- العراقية التي تلتها. ذلك الهاجس الأمني ظل مسيطراً على عقول وأفئدة قيادات دول المجلس، وبقدر ما كانت فكرة الأمن، وهو أمن وجود دول المجلس، ضرورة كما ظهر عند غزو الكويت من قبل العراق عام 90، إلا أنه أضحى أيضاً عقبة نحو تطوير علاقات دوله فيما بينها، فلم تكن الاتفاقيات غير الأمنية بين دول المجلس ذات جدوى، ولم تقدم خطوة واحدة نحو توحيد أنظمة وشعوب المنطقة، كما أن الأخيرة بطبيعة الحال معزولة ومهمشة عن أنظمة حكمها.
ومثلما كان بالأمس الهاجس الأمني خلف ولادة منظمة فإنه أصبح اليوم المرض السرطاني في جسدها، فالمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ترى في دعم قطر للإخوان أو اتهامها بدعم الحركات الإسلامية المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" والحوثيين في اليمن، خطراً يهدد أمن هذه الدول، وإذا كان يصعب على دول الخليج المحافِظة هضم مجمل تقلبات الربيع العربي، وترى فيها خطراً داهماً عليها، فإن قطر بدورها، وعبر سلاحها الإعلامي المتمثل في قناة الجزيرة، أبصرت في هذا الربيع فرصة إثبات وجودها، وتأكيد سيادتها وتحرير سياستها من أي هيمنة خارجية خليجية، وعملت عبر قناة الجزيرة وبمساندة أموال الغاز الطبيعي نحو الدفع إلى زحزحة وقلب المعادلات القديمة في المنطقة العربية، وهذا عند دول الخليج المحافِظة، مغامرة لا يمكن تحملها، ولا يمكن قبل ذلك تحمل خطب الشيخ يوسف القرضاوي ضد النظام الجديد في مصر الذي وجدت فيه الدول الخليجية ضالتها لعودة الأمور إلى نصابها، أي العودة إلى ما كان قبل ثورة يناير المصرية.ما هي خيارات المستقبل؟ وماذا يمكن أن يحدث في القمة العربية القادمة في 25 من هذا الشهر؟ كل حديث عن وساطة كويتية ووصف ما حدث بأنه زوبعة في فنجان، يمكن اعتباره جنوحاً في عوالم الأوهام والأحلام، فدول الخليج كانت تعاني تناقضات وخلافات كبرى في علاقاتها بعضها مع بعض، فبينها خلافات على حدودها السياسية، وهناك تدخلات من أنظمة حكم فيها بعضها ضد بعض، وهناك خلافات مستعصية في النهج السياسي لكل واحدة منها، وإذا حلت أزمة اليوم مع قطر، وهذا ليس بالمسألة السهلة عند القيادة القطرية في خياراتها القادمة، فهناك مسائل أخرى كبرى ستظل عالقة بين دول المجلس، وقد تترك تحت سجاد المجاملات الدبلوماسية فترةً من الوقت، لكن ليس كل الوقت، في النهاية، كم نخشى أن تصدر في القمة القادمة شهادة وفاة منظمة مجلس التعاون.