مهرجان أبوظبي السينمائي
في ظل أوضاع عربية دامية ومؤلمة تعصف بأوطاننا العربية، تاركة للإنسان العربي أن يحيا على حافة الموت، الجسدي والمعنوي، في كل لحظة، يغدو مجرد النظر إلى الضفة الأخرى شيئا من البطولة.وإذا كان الإنسان العربي يعيش محبطاً ومنكسراً ويائساً في واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي باتت أمراضه تستعصي على العلاج والحرية والسلام والديمقراطية، فإن رسم بصيص أمل أمامه يعني إمداده بطاقة سحرية تعينه على تحمل مآسي واضطرابات الواقع، وربما هذا هو أعظم ما يقدمه الفن والأدب للإنسان، وكم هو مقدس ذلك!
"مهرجان أبوظبي السينمائي" في دورته السابعة جمع من حوله مئات المشتغلين بالهم السينمائي والفني والأدبي، عرباً وأجانب، ليحضر الفن السابع بين جمهوره العريض، في دولة الإمارات العربية المتحدة، كأجمل ما يكون، وليحضر الهم الإنساني بصورته الساحرة، التي تتحدى وتتجاوز كل الحدود، جاعلة من حياة الإنسان ومعاناته وأفراحه مشتركاً بين البشر!اشتمل المهرجان على العديد من المسابقات: مسابقة أفلام الإمارات وضمت أفلاما روائية ووثائقية قصيرة للمحترفين، وأفلاما روائية ووثائقية قصيرة للطلبة. إلى جانب مسابقة الأفلام القصيرة العربية والعالمية، ومسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة آفاق جديدة، ومسابقة عروض السينما العالمية، ومسابقة جائزة حماية الطفل. الوقوف أمام مسيرة المهرجان يظهر القفزات الكبيرة التي يحققها ما بين دورة وأخرى، وإذا كان الهدفان الأساسيان للمهرجان يتمثلان في السعي لخلق صناعة سينمائية إماراتية عربية عالمية، وبث وعي سينمائي فني عالٍ بين الجمهور، فإن الخطوات التي يسير بها المهرجان تؤكد أنه على المسار الصحيح، وأنه بدأ بجني بعض الثمار الطيبة لجهده التراكمي.إن سعي المهرجان لخلق جيل من السينمائيين الإماراتيين يتجلى في تخصيص مسابقة لأفلام الإمارات، في قسميها الروائي والوثائقي، وإشراك طلبة الإمارات في المراحل الجامعية فيها. ولقد أتاح لي وجودي كعضو لجنة تحكيم في هذه المسابقة الاطلاع على قرابة ثمانية وأربعين فيلماً، كان من بينها أفلام تشير بشكل واضح إلى وجود مواهب واعدة يمكن الرهان عليها، وليس أدلّ على ذلك من الفيلم الوثائقي "إطعام خمسمئة" للمخرج الشاب رافد الحارثي، الذي فاز بالجائزة الأولى للأفلام الوثائقية القصيرة، وفيلم "وهقة" للشابة ريم المقبالي، الذي حصل على الجائزة الأولى للأفلام الوثائقية القصيرة للطلبة، وكذلك الفيلم "لا أفهم" للمخرجة "نورة الزرعوني" الذي حاز الجائزة الأولى للأفلام الروائية القصيرة للطلبة.احصائيات عربية وعالمية كثيرة تظهر أن أكثر الفئات تضرراً لما هو حادث في أقطار الوطن العربي، واقطار كثيرة أخرى منكوبة بالحروب والاقتتال الطائفي، هم فئة الأطفال. وجائزة "مسابقة حماية الطفل" في المهرجان تمثل وعياً إنسانياً متقدماً تجاه قضية الطفولة، والتفاتاً محموداً للسينما التي تجعل قضايا الطفولة همّاً فنياً لها، ومحاولة مدّ يد العون للطفولة، عبر تسليط الضوء على مشاكلها ووأوجاعها ومآسيها، وأخيراً آمالها المعلقة بحبال من الهواء.مهرجان أبوظبي السينمائي، كان مناسبة رائعة لجمع عدد كبير من السينمائيين والأدباء والفنانين، حول مائدة الوصل الإنساني، وحول الفن والنقاش وخطط العمل المشترك، خاصة وأن ظروف أقطار الوطن العربي ما عادت مؤاتية وسهلة للوصل بين الفنان العربي وأخيه العربي، وبين الفنان العربي والآخر الأجنبي. ولدي قناعة تترسخ بمضي الوقت، أن أحد أهم ما يمكن أن يقدمه أي تجمع ثقافي أو فني، هو لقاء المفكرين والأدباء والفنانين بعضهم ببعض، وتجديد روابط المودة بينهم، وذلك هو الأبقى.تحية لجميع القائمين على مهرجان أبو ظبي السينمائي، للجهود الكبيرة والمضنية والسخية التي بذلوها لإنجاح المهرجان، ومؤكد أن عملهم يستحق الإعجاب ويستحق أيضاً كل الأماني الطيبة بنجاحات قادمة.