أكدت العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر د. سعاد صالح، الملقبة بـ"مفتية النساء"، أن المرأة لها حق الاعتكاف مثل الرجل تماما، معتبرة أن الذكور يسيطرون على مجال الدعوة، ويرفضون إفساح مكان ولو صغيرا للمرأة. وأضافت صالح، في حوارها مع "الجريدة"، أن المجتمع في العصر الحالي يعاني حالة تغريب متعمدة جعلت المرأة تتطرف في الحصول على حقوق غير شرعية لها مثل ارتداء الملابس العارية أو امتهان مهن غير أخلاقية، وللأسف فإن الردة الثقافية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية جعلتها تغض النظر عن ذلك الأمر، وهو ما تسبب في انتشار الكثير من الظواهر السلبية في الأمة الإسلامية، أبرزها التحرش الجنسي، وفي ما يلي التفاصيل:

Ad

• يعيب البعض على المرأة غيابها عن مجال الدعوة الإسلامية باستثناء أمثلة معدودة على الأصابع، فلماذا هذا الغياب؟

- دعنا نعترف بأن المرأة تم تغييبها عن مجال الدعوة الدينية عمداً ومع سبق الإصرار والترصد، وهو أمر يضر بالدعوة الإسلامية ولا ينفعها خاصة في ظل تصاعد الاتهامات الموجهة للإسلام بأنه يضطهد المرأة، والإسلام من هذا بريء، فالواقع يؤكد أن التيار الذكوري المسيطر على الساحة الدعوية هو الذي يغيب المرأة رغم أن الله تعالى يقول: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" (التوبة: 71).

ولكننا نذكر الدور الذي لعبته السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين، رضي الله عنها، والذي تمثل في رواية 147 حديثا عن رسول الله (ص)، وكان لها عشرون تلميذا، وغيرها من مشاهير نساء العصر النبوي كأسماء بنت يزيد خطيبة النساء من المحدثات الفاضلات ومن ذوات العقل والدين، فقد جاءت رسول الله (ص) وقالت: أنا وافدة النساء إليك... وتقدمت إليه بشكواها فأجابها (ص) وقال: "اعلمي من خلفك من النساء"، كذلك هناك السيدة عائشة التي أخذ المسلمون عنها نصف دينهم، وقال الرسول (ص): "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء".

• هل ترين ان المجتمع الإسلامي في العصر الحالي مازال يظلم المرأة؟

- الواقع يحتم علينا الاعتراف بأن المرأة حصلت على الكثير من حقوقها، بل إن التغريب الثقافي الذي تعرضت له الأمة في القرن الماضي جعل بعض النساء تتطرفن في مسألة حقوقهن، ما أفرز لنا ظاهرة الانفلات الأخلاقي، لكن على الجانب الآخر لابد على المسلمين أن يفعلوا ما طالبنا الإسلام به تجاه المرأة.

• في شهر رمضان من كل عام تتجدد مشكلة اعتكاف المرأة ورأي الشرع فيها فكيف ترينها كأستاذة لمادة الفقه؟

- الشريعة الإسلامية لم تمنع المرأة من الاعتكاف، لذا لا يستطيع أحد أن ينكر على المرأة هذه السنة، لكن ظروف المرأة تؤكد أن الاعتكاف سيحرم أسرتها من الكثير من الأمور التي لن يستطيع أحد توفيرها إلا هي، لذا فإذا كان اعتكاف النساء سيعطل متابعة الأولاد أو القيام بمطالب الزوج فليس لهن حق الاعتكاف.

وهنا يمكن للمرأة أن تنوي الاعتكاف وهي متجهة للمسجد للصلاة، وسيثيبها الله على نيتها، فعند الشافعية يجوز أن تكون مدة الاعتكاف لحظة، واعتكاف النساء يجب أن يكون برضا الزوج، والتي لم تتزوج لابد أن يكون والداها راضيين، وعلى السيدة المعتكفة أن تحافظ على نظافة المسجد، فهو مكان مقدس وليس للنوم، وإذا كانت المرأة معتكفة فلا يحق لها الخروج من المسجد إلا للضرورة كالطعام والشراب.

• كيف ترين مشكلة التعصب للرأي في مجتمعاتنا الإسلامية؟

- كان الإمام الشافعي، رضي الله عنه، يقول دوما: "ما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه"، لذا كانت حواراته كلها تتم في إطار من الهدوء والتأدب، وتؤتي ثمارها المرجوة منها بعكس حوارنا اليوم في كثير من مجتمعاتنا، حيث تشوبه الخلافات دوما، ونحزن كلما شهدنا حدة التشنج فيه، وعدم رغبة المتحاورين في سماع بعضهم، ورغبة كل طرف في الاستئثار بالكلام دون غيره.

• كيف نواجه تلك الآفة من منظور إسلامي؟

- لابد أن نعي أن الاختلاف في الرأي يجب ألا يفسد للود قضية أو يوقع البغضاء بين المتحاورين من النخب المثقفة‏،‏ ولنا في رسول الله (ص)، وأصحابه الأسوة الحسنة‏،‏ فقد تشاوروا حول ما يفعلون بأسرى بدر‏،‏ فرأى أبوبكر رضي الله عنه أن تقبل فديتهم لما بين المنتصرين والمنهزمين من أواصر القرابة‏،‏ وكان المشركون قد التمسوا منه أن يكون شفيعا لهم عند الرسول فبعثوا إليه من قالوا‏:‏ "يا أبا بكر إن فينا الآباء والإخوان والعمومة وبني العم فأبعدنا قريب، كلم صاحبك يمن علينا أو يفادنا"، فوعدهم أبوبكر خيرا وخرج إلى الرسول يشفع فيهم ويرجوه أن يمن عليهم‏.

واتجه رسل المشركين إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولون له مقالتهم لأبي بكر فلم يجبهم إلى طلبهم، وخرج إلى الرسول يقترح عليه ضرب رقابهم‏،‏ وتناوب أبوبكر وعمر الحديث واختلف المسلمون الحاضرون في الرأي بين مؤيد لرأي أبي بكر ومؤيد لرأي عمر‏،‏ لكن الرسول (ص) أخذ برأي أبي بكر‏،‏ ومع ذلك لم يغضب عمر أو الذين أيدوه من أبي بكر والذين أيدوه‏،‏ بل انصرفوا جميعا من مجلس الرسول (ص)، يضع كل منهم يده في يد الآخر‏.‏

• في ظل انتشار الأعمال الفنية الهابطة، وتصدي بعض علماء الدين لها يزعم البعض أن الإسلام يحجر على حرية التعبير فكيف تردين على تلك الآراء؟

- الذين يدعون أن الإسلام قيد حرية التعبير أو الإبداع أو حجمها لا يستطيعون أن يدللوا على دعواهم بمثال واحد، فلا يستطيع أحد أن يذكر أن هناك كتابا تم حرقه على يد المسلمين أو أن هناك مفكرا أو عالما أو مبدعا تمت إدانته، فأين الحجر على العقول؟ وأين القيود التي فرضها الإسلام؟

وإذا كانت حرية الإنسان في اختيار دينه مكفولة بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون: 6) فكيف يطلق الإسلام أهم الحريات وهي حرية الاعتقاد ويقيد حرية الإبداع أو حرية الرأي والفكر.

لكن هذا لا يعني أن نترك الأمر هكذا فقد حرص الإسلام على وضع ضوابط لتنظيم وحماية حرية الرأي والإبداع من الأهواء التي قد تضر بالإنسان، فحرية الإبداع الإنساني في الإسلام مكفولة بلا شروط، إلا أن يكون هذا الإبداع لصالح الإنسان وخطوة من خطوات رقيه وتطوره، أما أن تعتمد الفنون على إثارة الشهوات والغرائز فهذا لا علاقة له بالفن.