كيف تقرأ رواية؟

نشر في 01-06-2014
آخر تحديث 01-06-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري لا أستطيع، ربما غيري يستطيع فعل ذلك، أن أقول للكتاب الشباب كيف يمكنهم أن يكتبوا رواية. ويعتقد أغلبهم أنني أعرف الاجابة وأتهرب من الرد على سؤالهم. حقيقة أنا لا أعرف كيف تنتهي فكرة صغيرة تخطر في الذهن الى عالم من الشخصيات والأحداث والأماكن، وكيف تنتهي فكرة مشابهة الى لا شيء سوى ورق مهمل وجهد ووقت ضائع، وما تحقق لا يستحق أن يطرح للقراءة الذاتية، فضلا عن القراءة الجمعية. ولأنني، كما قلت، لا أجد إجابة على سؤال هؤلاء الشباب سأقول لهم كيف تقرأ رواية حتى وإن كنت كاتبها.

قبل سنوات بعيدة كان النقاد يتداولون اسم بروست ورواية البحث عن الزمن المفقود، وهي رواية ضخمة ومترجمة الى العربية، وفي كل مرة أبدأ القراءة فيها أتوقف عند الخمسين صفحة الأولى، ولا أجد مقدرة على إكمال العمل. لا أجده عملا ممتعا رغم شهرته العالمية. قبل سنوات قريبة عثرت على نسخة مترجمة الى الإنجليزية وقررت أن أقرأها فربما كانت الترجمة العربية هي السبب، ولأكثر من مرة أتوقف عند الصفحات الخمسين ذاتها تقريبا، ولا أكمل العمل. يحدث هذا مع رواية عالمية لها شهرتها، ويحدث أيضا مع رواية يقول ناشرها إنها باعت مليون نسخة لأحلام مستغانمي، ولا أستطيع أن أكمل أكثر من خمسين صفحة أيضا.

لا تحدد قراءة الرواية سمعتها العالمية ولا عدد النسخ التي توزعها، قراءة العمل مشروع يتطلب كيمياء خاصة تربطك بهذا العمل، ولأنك تمارس مهنة الكتابة كالروائي الذي كتب العمل تحاول أن تحدد مواطن القوة التي اعتمد عليها الكاتب مستخدما قلمك في القراءة. تبحث عما تضع تحته خطا لإعجابك به، وأيضا ما تراه سبب ضعف النص. هذه القراءة تجعل منك روائيا يكتب وهو يقرأ وجزءا مما يسمى نقديا "آلية التأليف"، تحاول أن تتحاشى هذه الهفوات وأنت تكتب.

معضلة القارئ/ الكاتب أنه لا يقرأ للمتعة فقط كما يفعل القارئ العادي. هو يقرأ كمن يتعلم من النص الذي يقرأه، ويستحق النص الإشادة إذا تفوق على معرفة الكاتب ليضيف إليها مخزونا ذهنيا هو المادة التي سيستخدمها في الكتابة، ويفشل النص الروائي إذا كان أقل من مستوى القارئ وتفوقت معرفته على النص. هذه القراءات لا تصنع منك كاتبا أفضل فحسب بل تقدم لك نماذج متنوعة من الكتابة، نماذج تريد لعملك أن يكون مثلها، وأخرى لا تود أن ترتكب حماقات مشابهة لها.

الذي يحدد الكاتب الموهوب من سواه هو تأثير طريقة قراءته على نصه المكتوب، مقدرته في مزج هذه القراءات لخلق التركيبة الخاصة به. يجد الكاتب مع مرور الوقت والخبرة القرائية الكبيرة أن صوته الروائي أصبح مستقلا ومحددا. في حالات كثيرة يبدأ الكاتب نصا أولا، ومع استمرار قراءاته وتنوعها وتراكم الخبرات المعرفية من المتوقع أن تتطور أدواته الكتابية ويكتب نصا متطورا دائما، وحين لا يحدث ذلك فهو بالتأكيد لم يكن يقرأ سوى نصه الأول.

back to top