طوق النجاة لا يغير الوضع
مازلت أعتقد وأؤكد أن تنظيم حماس الذي يشكل الجناح العسكري من "الإخوان المسلمين" يشكل تهديداً على الأمن القومي المصري، وأن الهدف المصري في هذه المرحلة هو محاصرة وإنهاء أية مخاطر يمكن أن تهدد الدولة المصرية، وهذه رسالة وموقف ينبغي أن يكون واضحاً أمام جميع الأطراف الفلسطينية وأن يكون خطاً استراتيجياً تلتزم به أجزاء الدولة ومؤسساتها وتعبر عنه إلى أن يعود قياديو "حماس" إلى رشدهم وحجمهم والتركيز على ما ينفع أهلهم الفلسطينيين. ويخطئ الحمساويون لو ظنوا أن طوق النجاة الذي ألقاه لهم رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مؤخراً سيعني أنهم نجوا بالفعل، الطريق طويل والمخرج المقترح عبر رئيس السلطة ليس هو الطريق، أراد طرف أن يمد في حياة سلطته، وأراد آخر أن يجد مخرجاً من أزمته والثالث يبحث عن دور بعدما انهارت رهاناته في المنطقة، كما نرى فإن النوايا ليست خالصة أو تسعى إلى حلول حقيقية ودائمة لوضع يتفاقم على الأرض، بل سيطرت الأهداف الصغيرة وغابت الأهداف الاستراتيجية، إذن فإن الموقف المصري تجاه الوضع القائم في غزة هو موقف مستمر في ممارسة كل الأشكال الكفيلة باستمرار محاصرة التنظيم الإخواني هناك حتى تتغير أولوياته وارتباطاته ويثبت حرصه على الأمن المصري وقبله مصلحة أهل غزة الحقيقية.لكن هل هذا الموقف يعني التخلي عن أهلنا في غزة الذين يعانون، من وقت إلى آخر، صعوبات الحياة وويلاتها التي تصعّب عليهم حياتهم؟ أظن أن إجابة كل مصري ستكون بالنفي، نحن نفرق بين أهلنا في فلسطين والجماعة التي اختطفت مصيرهم ووضعتهم رهينة لتحقيق أهداف التنظيم الأكبر، يكفي الفلسطينيين معاناة كونهم تحت حكم قيادات لا تضع همومهم في مقدمة الأولويات وتنشغل بالثروة والسلطة.
الأكيد أن الوضع العام في القطاع "يزداد سوءاً"، ولا توجد أية "مؤشرات إيجابية" على تحسن هذه الأوضاع الخاصة باللاجئين، في ظل النقص الكبير المتوقع لأية مشروعات كبيرة في الفترة المقبلة، وقد عبر مسؤولون دوليون عن قلقهم على الوضع العام في قطاع غزة، سواء الاقتصادي أو السياسي، فالقلق يزداد لعدم معرفة ما ستؤول إليه الأمور في السنوات المقبلة، مسؤولو وكالة غوث للاجئين (الأونروا) حذروا أكثر من مرة، وهم يشرحون وضع الخدمات المقدمة إلى لاجئي غزة البالغة نسبتهم أكثر من 72 في المئة من مجمل عدد السكان الذي يفوق الـ1.7 مليون نسمة، بأنهم لا يرون أية مؤشرات إيجابية في غزة، وهذا بالتأكيد أمر مقلق، وغني عن البيان أن من يعيشون عيشة رغدة ولا يشعرون بأزمات غزة هم "المناضلون" من قيادات "حماس".لن أطالب هنا بوقف عمليات هدم الأنفاق، بل ينبغي أن تستمر لتأمين الحدود وإنهاء أكبر وأغرب صورة انتهاك لحدود دولية تجد من يروج لها ويدافع عنها، وينبغي أيضاً الإشارة إلى أن هذه الأنفاق كانت تستغل في التهريب بكل أشكاله، وقليل مما كان يمر كان يشكل فائدة حقيقية للشعب الفلسطيني، لكن ما أطالب به الآن هو تدخل بعض المنظمات الإغاثية المصرية والدولية الموثوقة بإشراف مصري كامل عليها لتقديم العون ومساعدة أهالينا، كما أطالب الحكومة المصرية ببحث سبل مساعدة أهلنا في غزة بما يعود بالفائدة عليهم ولا تستغله حركة "حماس" لصالحها، وهنا أقترح تشكيل لجنة وطنية فلسطينية ترأسها قيادة فلسطينية محترمة تلقى قبولاً فلسطينياً من الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وأن تتشكل هذه اللجنة من ممثلين للقوى السياسية الفلسطينية ومنظمات الإغاثة الدولية، هدف هذه اللجنة بحث مشكلات غزة مع الحكومة المصرية وخاصة الطاقة والتنسيق لإيجاد حلول لها، هنا تعمل الدولة المصرية على القيام بدورها المتوقع منها في دعم وحماية أهلنا في غزة مع ضمان عدم استغلال "حماس" للوضع المأساوي لتحقيق فوائد لها، وذلك حفاظاً على الأمن القومي المصري، أما الحكومة الجديدة فهي طوق نجاة لن ينجو به أحد ما لم تتغير القناعات والأهداف والسلوك.