أصبحت قضية الداوكيميكال والغرامة الفادحة التي تكبدتها الكويت من المال العام نتيجة لها وسيلة جديدة في الصراع السياسي الكويتي، تنسج حولها الشائعات، وتروج باسمها المستندات التي تجرح هذا وتتهم ذاك دون دليل دامغ وموثوق به، وكان آخرها الرسالة التي ادعى مروجوها أنها تعميم داخلي من مجلس إدارة الداو لرشوة مسؤولين كويتيين، وهو ما نفته الشركة الأميركية واعتبرته تزويراً يجب أن تلاحقه الجهات الأمنية الكويتية وتعاقب قانونياً من قام به.

Ad

ما يحدث في الكويت دولة المؤسسات الدستورية، في ما يخص قضايا المال العام، أصبح مجال تندر شعبي وخارجي، ووصمة عار على البلد، يتطلب منا شعبياً تحركاً مختلفاً، بعد أن عجزت أو تعاجزت السلطات عن معالجة تلك القضايا، وكُبل القضاء بسبب قصور القوانين أو البلاغات الهزيلة التي تقدم له حول قضايا الفساد الكبرى دون أدلة ومستندات وافية، كعادة قضايا فساد عدة في الكويت ظلت تتداول لسنوات قبل أن تطوى وتضيع في دهاليز النسيان، ويفلت المسؤولون عنها، ويهنأوا بالمال الحرام الذي غنموه، والسوابق في تعاملنا مع كل ما صدر في الخارج عن رئيس مؤسسة أو هيئة كويتية لديه حسابات مشبوهة أو عمولات في صفقات قطع غيار طويت ملفاتها وأغلقت عندنا دون إدانة.

كل ذلك يتطلب شعبياً مواجهة مختلفة للفساد، بعد أن يئست الأمة من مواجهته عبر مؤسسات الدولة، لذا علينا أن نتحرك بسبل أهلية وعبر المؤسسات المدنية والمخلصين إلى بيت "الداو" ووطنها، فالقانون الأميركي يجبر الشركة على كشف أي عمولات ورشاوى دفعت لمسؤولين فاسدين حتى لو كانت خارج الولايات المتحدة الأميركية، كما أن اتفاقيات مكافحة الفساد العالمية التي صادقت عليها معظم دول العالم تمكنا من أن نلاحق أرصدة وممتلكات أي مسؤول كويتي فاسد استخدم السلطة في الحكومة أو البرلمان، من أجل الإثراء ومتابعة أمواله وأملاكه في لندن وبرن وباريس ولوكسمبرغ ونيويورك، فلم تعد هناك حصانة لأرصدة أي مسؤول فاسد حول العالم، حتى أن ضغوطاً هائلة تمارس على بعض المواقع في العالم، التي تعتبر "جنة ضريبية"، لإجبارها على الكشف عن أموال المسؤولين والقادة السياسيين الفاسدين في بنوكها.

نعم العالم تغير وأصبح المجتمع الدولي يضيق بشدة على الفاسدين، ويُمكن الشعوب المغلوبة على أمرها من أن تسترد حقوقها مهما طال الزمن، وأصبحت قضايا السياسيين والمسؤولين الفاسدين لا تسقط بالتقادم، لذا وبدل المناكفات السياسية العبثية محلياً حول "الداو" فإن المخلصين يمكنهم أن يقترحوا هيئة شعبية لجمع تبرعات من أجل توكيل مكتب محاماة على مستوى جيد في الولايات المتحدة لملاحقة شركة الداو في عقر دارها، وكشفها لأي عمولات ورشاوى دفعت لمسؤولين في دولة الكويت، وتسميتهم كما تنص القوانين الأميركية، ولتقترح تلك الهيئة أن يتبرع كل مواطن كويتي راشد ويعمل بدينار واحد لكشف حقيقة "الداو" حتى لا تحتار الأمة ونحتار.

فإذا نجحنا في "الداو" يمكننا بعد ذلك أن نعمم التجربة شعبياً، ونلاحق قضائياً كل مدير هيئة ومؤسسة ووزير ونائب أثرى من منصبه، واستباح المال العام وطويت قضيته، ويودع أموالاً في أي مكان حول العالم، فهناك روابط لمحامين أوروبيين يحاربون الفساد لاحقوا قادة إفريقيين وآسيويين في أوروبا وحتى سنغافورة واليابان لاسترجاع سرقات وعمولات ورشاوى دفعت لهم، ونحن كمواطنين كويتيين متضررين يمكننا أن نلاحق كل فاسد حول العالم، حتى لا تتحول قضايا المال العام إلى حصان طروادة للسياسيين لتحقيق أهدافهم الذاتية بينما هم واقعاً يضيعون حقوق الأمة.