لا يمكن للقضاء أن ينهض ويتطور في الكويت إلا بتطور القوانين المنظمة له، قوانين تسمح نصوصها بالاستقلال المالي والإداري وتعيد النظر في آلية التفتيش على كل الأحكام الصادرة منه وعلى أعمال كل العاملين، ومن دون تلك القوانين لا يمكن الحديث إلا عن قضاء يصدر الأحكام ويحقق في القضايا التي أناطه القانون بالتحقيق فيها وفق الإمكانيات المتواضعة التي يعيشها!

Ad

يصرح رئيس المجلس الأعلى للقضاء منذ قرابة الـ10 سنوات وإلى اليوم، سواء بمنصبه الحالي أو حتى عندما كان رئيسا لمحكمة الاستئناف ومن قبلها رئيسا للمحكمة الكلية، عن ضيق المحاكم وضعف الإمكانيات المتوافرة، واللذين من شأنهما التأخير في الفصل بالدعاوى القضائية، علّ ذلك يطرق مسامع رؤساء الحكومات ووزراء العدل المتعاقبين، إلا أنه لا حياة لمن تنادي!

أحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهو وكيل وزارة العدل، أراد قانون تنظيم القضاء منذ تعيينه عضواً في هذا المجلس أن يستمع للعراقيل والمصاعب التي يعيشها القضاء وأن يعمل على رفعها لمعالي الوزير ومن قبله إلى الوزراء المتعاقبين، إلا أن الواقع يكشف عدم استجابة الحكومة لأي من تلك النداءات سواء التي قد يرفعها الوزير أو التي يصرح عنها رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء في لقاءاتهم بين الحين والآخر مع رئيس الحكومة أو حتى مع قيادات البلد العليا!

لا يمكن لدولة كالكويت أن يعامل قضاؤها بهذا التعامل غير المنصف وغير اللائق، وهو الذي تناط به مسؤولية تحقيق العدالة في البلاد والحفاظ على حياة الناس وأموالهم وعلى الخزينة العامة في الدولة، ويسهر رجاله على إصدار المئات من الاحكام يوميا عبر قاعات وممرات لا تجد مثيلا لها حتى في أفقر دول العالم الثالث!

تريدون للقضاء أن ينعم بالتطور الذي تنعم به الدول المتطورة في المنطقة عليكم على الأقل أن توجهوا أمواله التي يجنيها من الرسوم القضائية، والتي بلغت 20 مليون دينار في السنة الواحدة، حتى يتمكن من تحقيق مطالبه الداخلية ويجد حلا لمشكلة مبانيه بدلا من مطالبته بمراسلة الوزارة لتوفير أدوات مكتبية!

تريدون للقضاء أن يتطور وأنتم تتركون القاضي يقف في طابور الانتظار من أجل تقديم معاملة للعلاج بالخارج، بينما تسمحون لعسكري أو شرطي أو موظف في النفط، أو تتركونه يقوم برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية للحصول على علاج بالخارج كما فعل أحد القضاة بعد أن شاهد كل مظاهر الاهانة إثر رفض وزارة الصحة السماح له للسفر للعلاج بالخارج، رغم أنها هي التي تسببت في إصابته ومرضه!

تريدون للقضاء أن يتطور وينهض وهناك تهديد من الموظفين بالامتناع عن العمل وتعطيل الجلسات المسائية في الأول من أبريل المقبل لعدم صرف مكافآتهم عن الأعمال التي أدوها منذ عام رغم الكتب والمراسلات التي أصدرها رئيس المحكمة الكلية للوزارة ومجلس الخدمة المدنية بضرورة صرفها، ولو كان هؤلاء الموظفون مساندين للقضاء وفق قانون القضاء المعروض على المجلس ما وقع مثل هذا الظلم عليهم ولم تهدد العدالة بالتعطيل!

لا يمكن أن يتبدل حال القضاء إلا بالنظر إليه كسلطة لا كمرفق عام، وإلى تعديل قانونه كضرورة تتوافق مع صحيح نصوص الدستور الذي كرس له الاستقلالية الكاملة لا استقلالية رهينة بموافقة سلطة أخرى!