زار جون كيري أخيراً الجزائر في مناسبة أتاحت للجزائريين التمتع بلحمة نادرة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
صحيح أن بوتفليقة مرشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات التي ستُعقد في السابع عشر من أبريل، إلا أنه حدّ من ظهوره العلني خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. فاقتصرت معظم إطلالاته على لقطات فيديو عابرة: ظهر في إحداها في اجتماع مع رئيس وزرائه وقائد جيشه وهو يلبس رداء في أحد مستشفيات باريس، حيث عولج بعد تعرضه لسكتة دماغية، وبدا في لقطة أخرى في موكب الرئاسة في الجزائر العاصمة ويده اليمنى المتيبسة مرفوعة على نحو غريب في محاولة للتلويح، فضلاً عن ذلك، لا يتحدث إلا في نصف هذه اللقطات القليلة.غرابة الانتخاباتمن الغريب بالتأكيد أن يترشح للرئاسة شخص قلما يظهر في العلن وقلما يتكلم، ولكن ما يزيد الانتخابات الجزائرية غرابة هو وجود توقعات واسعة النطاق لفوز بوتفليقة في الانتخابات.يتمتع هذا الرئيس البالغ من العمر 77 سنة بشعبية كبيرة، فينسب إليه كثيرون الفضل في نشر الاستقرار في الجزائر بعد عقد من التمرد الإسلامي خلال تسعينيات القرن الماضي (الذي أودى بحياة نحو 150 ألف شخص)، فضلاً عن إعادة الجزائر إلى مكانتها الدولية، لكن حركة معارضة صغيرة نشأت، مطالبةً بوتفليقة بالتنحي وإفساح المجال أمام جيل جديد من القادة السياسيين. وقد نظمت هذه الحركة تظاهرات دورية، إلا أن رجال الشرطة كانوا دوماً يفوق المتظاهرين عدداً، كذلك دعت مجموعة أخرى إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، إلا أنها لم تحظَ بتأييد يُذكر.سعي أميركي لضماناتهذا هو الإطار الغريب لزيارة وزير الخارجية كيري، ما يدفعنا إلى التساؤل: لمَ قصد الجزائر هذه المرة؟ إذا تبنينا تفسيراً بسيطاً، فقد نعتبر هذا الرحلة تعويضاً عن زيارة كان من المقرر أن يقوم بها في شهر نوفمبر الماضي، إلا أنها أُلغيت فجأة، ولكن ثمة أسباب أكثر أهمية لعل أبرزها رغبة كيري في الحصول على ضمانات بشأن الاتجاه الذي ستسلكه الانتخابات الرئاسية وهوية الفائز فيها.صحيح أن الجزائر لم تتصدر عناوين الصحف كثيراً في السنوات الأخيرة، إلا أنها تبقى حليفاً استراتيجياً مهماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد غرقت ليبيا، التي تشاركها الجزائر في حدود طويلة، في حالة من الفوضى العارمة، في حين كادت مالي، جارة الجزائر الجنوبية، أن تسقط السنة الماضية بين أيدي الثوار الإسلاميين قبل أن ينقذها التدخل الفرنسي، أما النيجر، إحدى أفقر دول العالم وأضعفها عسكرياً، فتناضل أيضاًَ لمواجهة بعض التحديات الناشئة في الصحراء الكبرى، وطلبت دعم المجتمع الدولي. حتى تونس، التي شهدت قصة النجاح الوحيدة في مد الربيع العربي، تعاني خطر الإرهاب في مناطقها الجبلية الحدودية الغربية.إمكانات دفاعيةلكن الجزائر تحتل المرتبة العشرين بين أكبر الميزانيات الدفاعية في العالم، فتفوق الأموال التي تخصصها للدفاع الميزانية الدفاعية الباكستانية أو الإيرانية، فضلاً عن أنها تتمتع بجيش عالي التدريب والتجهيز يعكس قدرتها هذه، وباستثناء الاعتداء المأساوي على منشأة عين أميناس في شهر يناير عام 2013، نجحت الجزائر في التصدي لبروز الحركات الإرهابية في مختلف أرجاء شمال إفريقيا والصحراء الكبرى في أعقاب الربيع العربي.ولكن إذا رفض الناخبون الجزائريون إعادة انتخاب رئيس قلما رأوه خلال السنة الماضية، وإذا رفضوا الإقرار بشرعية إعادة انتخابه، أو إذا أُعيد انتخابه ومات خلال فترة حكمه، فلن تعود الجزائر حصن الاستقرار الكبير المتين، بل ستصبح مناطق كبيرة منها على الأرجح مفتوحة أمام المجموعات الإرهابية، مما يمنح هذه المجموعات حرية أكبر للتدرب، وأهدافاً أكبر لمهاجمتها، ومصادر عائدات أكبر لاستغلالها. وهكذا يمتد حزام عدم الاستقرار من شبه جزيرة سيناء عبر الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى حدود المغرب.نظراً إلى مشاكل السياسة الخارجية الأخرى التي يواجهها كيري (سورية، والقرم، وإيران)، لا يستطيع تحمّل كلفة مفاجئة استراتيجية أخرى تلوح في أفق شمال إفريقيا. ولكن من المؤسف أن ما بيده حيلة. في أوضاع مختلفة، كان كيري سيجتمع بعدد من حركات المعارضة للاطلاع على مطالبها والتشديد على الحاجة إلى تعزيز المؤسسات الديمقراطية بغية إنشاء مسار سياسي أكثر وضوحاً.تقرب دبلوماسيلكن الجزائر ترفض أي تدخلات واضحة في شؤونها الداخلية، ففي عام 2008، انتقد رئيس الوزراء (الذي يعمل راهناً مستشاراً لبوتفليقة) السفير الأميركي لانتهاكه الأعراف الدبلوماسية، بعد أن التقى عدداً من قادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع الدولي. نتيجة لذلك، التزم كيري خلال زيارته التي دامت يومين بالبروتوكول، فالتقى وزير الخارجية وعقد اجتماعاً وجيزاً مع الرئيس الذي قلّ ظهوره أخيراً.عند التعاطي مع الجزائر، تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع حرج، فتودّ من جهة تفادي أن تأخذها أي تطورات جزائرية مفاجئة على حين غرة، إلا أنها تفتقر من جهة أخرى إلى الحرية الضرورية لتساهم في توجيه هذه التطورات.نتيجة لذلك، عليها في الوقت الراهن أن تكتفي بالتقرب من الجزائر من خلال السبل الدبلوماسية في الجزائر العاصمة وواشنطن، فمع الثقة تأتي الشفافية، ومع الشفافية يمكن تفادي المفاجآت الاستراتيجية.Geoff D. Porter
مقالات
ضرورة مراقبة التطورات في الجزائر
14-04-2014