ردة الفعل الشعبية الغاضبة على تدخل وزير الصحة بالعمل الفني والإداري، وقيامه بنقل الدكتورة كفاية عبدالملك بشكل تعسفي وظالم من وحدة العناية المركزة بمستشفى الأميري إلى مستشفى الأمراض السارية بعد أن أدت واجبات وظيفتها بأمانة وإخلاص، فرفضت الالتزام بتعليماته المخالفة للإجراءات الصحيحة، والتي يبدو أنها كانت نتيجة «ترتيبات» سياسية مع أحد أعضاء المجلس، تعكس، أي ردة الفعل الشعبية الغاضبة، الدرجة التي وصل إليها استياء الناس من استشراء الفساد السياسي في السلطتين، وليس فقط في وزارة الصحة التي تدخل وزيرها في عمل فني وإداري روتيني من اختصاص رؤساء الأقسام ومديري الإدارات.

Ad

 ما حصل مع د. كفاية ليس سوى مثال آخر صارخ على الفساد الإداري الناتج عن فساد المنظومة السياسية، فهناك موظفون كثر في أجهزة الدولة المختلفة يتعرضون باستمرار للظلم الإداري والتعسف في تطبيق القانون، لكن حالاتهم لا تجد طريقها لوسائل الإعلام بالشكل الذي يجعل عامة الناس يتفاعلون معها، ويطالبون بوقفها كما حصل مع موضوع د. كفاية.

 وفي هذا السياق من المستغرب عدم سماع صوت الجمعية الطبية رغم أنها جمعية مهنية يفترض أن يكون من أولى أولوياتها الدفاع عن حقوق أعضائها، فعدم قيام الجمعية الطبية بدورها جعل مجموعة من الأطباء تتداعى لتنظيم اعتصام سلمي بعد انتهاء الدوام الرسمي من أجل التضامن مع زميلتهم التي تعرضت للظلم الإداري.

فساد المنظومة السياسية يُنتج فساداً إدارياً ومالياً له أعراض كثيرة من ضمنها تعيين غير المؤهلين بالوظائف القيادية، واستغلال النفوذ وتضارب المصالح والكسب غير المشروع من الوظيفة العامة، وهي قطعا لن تنتهي بمجرد انتقادها أو الشكوى منها أو معالجتها جزئياً، فالقضاء عليها يتطلب تشخيص أسبابها بشكل صحيح ومعالجتها جذريا.

الدول المتطورة كافة يديرها ساسة محترفون لا هواة أو أشخاص غير مؤهلين لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، فيظنون أن دورهم كوزراء هو متابعة كشوف الحضور والانصراف، ونقل الموظفين وندبهم وترقيتهم، وصرف بدل الأعمال الإضافية ومكافآت الأعمال الممتازة، والتصريح لوسائل الإعلام بشكل شبه يومي حول أمور فنية وإدارية روتينية من اختصاص الفنيين والمسؤولين الإداريين.

منصب الوزير منصب سياسي لا فني؛ لذلك يسمى «رجل دولة»، ومن المفترض أن يكون أول الملتزمين بقوانين وأنظمة الوزارة التي يشرف عليها، ففي عام 2004 اضطر وزير الداخلية البريطاني الأسبق ديفيد بلانكيت للاستقالة رغم أنه كان من أقوى المرشحين لشغل منصب رئيس الوزراء خلفاً للسيد توني بلير، وذلك بعد اكتشاف قيامه بالاتصال بإدارة الهجرة لبحث إمكانية التسريع في إجراءات حصول عاملة منزله على الإقامة؛ لأن ذلك يعد تجاوزا على حقوق الآخرين!