مسألة حل مجلس الأمة لم تعد تتواءم مع التطورات العالمية والحركات المطلبية واتساع نطاق الحريات، ويتضح اليوم أن أدوات التغيير بات يقودها ما يسمى بـ"الإعلام الجديد" الذي كفل تواصلاً إلكترونياً سريعاً بين البشر، وسهّل التلاقح الفكري بين الشباب الذين باتوا اليوم مجتمعين حول فكرة المشاركة والحرية والاندماج والحصول على المعلومات.

Ad

أول العمود:

 لفت نظري إحصائية مصنفة للمهن في الكويت صادرة عن وزارة العمل تقول إن عدد عمال النظافة لوحدهم وصل إلى 46 ألف عامل! فهل يتناسب ذلك مع مستوى النظافة أم تجارة الإقامات؟

                                   ***

انطلقت إشاعة التهديد بحل مجلس الأمة عقب سرية مناقشة الحالة المالية للدولة وعلى أثر ما قيل إن الحكومة تريد "تخويف" الأعضاء من مسألة إقرار علاوة الأبناء.

وبغض النظر عن صحة هذه "الإشاعة" أو عدم صحتها فإن مسألة الحل أو التهديد به بحاجة إلى موقف سياسي واضح، شعبي حكومي برلماني، باتجاه وقفة على مستوى التطبيق، خصوصاً أنه (أي الحل) استخدام بشكل مفرط ولأسباب غير مقنعة على مر الحالات السبع التي تمت.

ومن المهم هنا التأكيد على أن مسألة الحل لم تعد تتواءم مع التطورات العالمية بشأن الحركات المطلبية، وتوسع الاتجاه نحو الحرية بأشكالها كافة الداعمة للبرلمانات، وما يتضح اليوم هو أن أدوات التغيير بات يقودها ما يسمى بـ"الإعلام الجديد" الذي كفل التواصل الإلكتروني السريع بين البشر، وسهّل التلاقح الفكري بين الشباب الذين باتوا اليوم مجتمعين حول فكرة المشاركة والحرية والاندماج والحصول على المعلومات.

لقد جر حل مجلس 2011 على سبيل المثال البلاد إلى أزمات لم تعتد عليها، ورغم منطقية المطالبة بحل ذلك المجلس بسبب ما قيل إنه يضم (مرتشين وقبيضة) لم نتوصل إلى التعرف عليهم إلى اليوم! إلا أن تشجيع السلطة اتخاذ مثل هذا الإجراء جاء ليذكرها بعادات قديمة مارستها تجاه وظيفة المساءلة النيابية (37 استجواباً على مر 14 مجلسا نيابيا)، وفي رأيي أن ذلك المطلب كان خطأً شعبياً واضحاً، فلقد كان من الأجدر ترك المجلس يعالج المرض الذي يعانيه بنفسه (أي بأدواته الدستورية) بتشكيل لجان تحقيق تعطي الوقت الكافي للتثبت من الاتهامات، وأن يتحمل الناس من جانب نتائج اختياراتهم.

لقد نتج عن ذلك الحل تحديداً تقوية الأداة الأمنية ومدها بالمزايا المادية وشراء أسلحة الأمن الداخلي، وبذل الأموال للرواتب والمكافآت لشراء الود السياسي كما أدى لاحقاً إلى تشنج اجتماعي اتخذ طابعاً طائفياً مخيفاً في وسط إقليمي ساخن.

نعود إلى فكرة الحل لنقول إنه وإن كان إجراءً دستورياً، فإن أسباب السلطة في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات- وهي التأفف من المساءلة البرلمانية- لم تعد تلائم المتغيرات السياسية والإعلامية والمطلبية التي بدأت تشكل مناخ البشر في الألفية الجديدة. السلطة هنا عليها واجب التواؤم مع التغيير الجديد، والمواءمة مع الحدث بشكل يجعل من خيار حل المجلس عاملاً يسير باتجاه مضاد للأمن الوطني تماماً كما حدث في حل 1986 الذي غيَّب عن الناس معلومات الغزو العراقي للبلاد بسبب الرقابة على الصحف! وهي طامة كبرى.

الخلاصة أنه يجب اعتبار الحديث عن حل المجلس حديثاً غريباً بل شاذاً عن طبيعة الحياة السياسية والاقتصادية التي جاءت بها أحداث جسام كسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين والثورة البرتقالية وانتخاب باراك أوباما وبروز "ويكيليكس" والانهيار الاقتصادي العالمي وحركات الاحتجاج العربي.