من الضروري عند تشخيص أي مرض أن يتم صرف الدواء المناسب حتى يتحقق الشفاء، لكن كيف لمصاب بالإنفلونزا (مثلاً) أن يشفى من مرضه إن صرف له الطبيب دواءً لعلاج آلام البطن؟! هذه الحالة تنطبق على مجلس الأمة عند محاولة علاجه للقضية الإسكانية، عبر القوانين التي يتبناها وآخرها زيادة دعم المواد الإنشائية إلى 30 ألف دينار.
فللمرة الألف نقول إن الأزمة الإسكانية ليس سببها قلة السيولة بل قلة العرض وزيادة الطلب، ولن تحل هذه الأزمة دون حل هذه المعضلة، أما محاولة حل مشكلات البلد بضخ المزيد من الأموال في جيوب المواطنين فما هي إلا "إبر تخدير" وتأجيل للحلول الجذرية لتلك المشاكل، بل تعقيدها أكثر، وقد رأينا كيف أن فوضى زيادة الكوادر ورواتب موظفي الدولة لم توقف سخط المواطنين بل زادته بسبب غياب العدالة والمساواة في الزيادات إضافة إلى ارتفاع التضخم، وهو أمر طبيعي جداً في ظل القواعد التي تحكم اقتصاد البلد.طبعاً الأسطوانة المشروخة لمؤيدي الزيادات هي: لماذا يحرم المواطن من خيرات بلده ما دام الفساد مستشرياً والسرقات في ازدياد والتجار يزدادون ثراء؟ وهذا لعمري منطق أعوج في التفكير. نعم هناك فساد في المناقصات والأوامر التغييرية وتبذير وإسهال في الصرف من مؤسسات الدولة، لكن هل يبرر ذلك استنزاف المواطنين للمال العام دون وجه حق؟ وكيف تستقيم شكوى الناس من الفساد بينما يطالبون بغرف المزيد من ثروات البلد فقط نكاية بذلك الفساد؟ وألا يعد تناقضاً أن يشتكي الناس من الفساد الحكومي وهم ينتخبون نواباً فاسدين يغطون على ذلك الفساد؟! ومن قال أصلاً إن الزيادات في الدعم إضافة إلى بدل الإيجار وعلاوات الأولاد تفيد المواطن أصلاً؟!فمشكلة الناس أنها لا تعي أن الاقتصاد مثل الرياضيات (1+1=2)، ومن أبسط الأسس الاقتصادية أن زيادة السيولة بدون زيادة في الإنتاج تعني حتمية زيادة التضخم، وقد رأينا ذلك بشكل جلي في ارتفاع إيجارات الشقق وبقية السلع لأن تسعير أي سلعة أو خدمة لا يرتبط بتحقيق هامش ربح معين بقدر ما يتعلق بالقدرة الشرائية للناس وقابليتهم للصرف على تلك السلع والخدمات. وإذا ما استمر هذا البذخ في الصرف من المال العام بحجة فساد البلد، فإن العجز في الميزانية العامة قادم لا محالة وسيكون أول الضحايا هم الناس المعتمدون على رواتب الحكومة وليس التجار وأصحاب الثروات الطائلة.إن تبني مجلس الأمة لسلسلة من القوانين التي فيها تكلفة مالية كبيرة للدولة هو تصرف خاطئ وغير مسؤول وسيزيد من الفساد الذي يشتكي منه الناس، فكلما زادت إبر التخدير ومظاهر الترف زادت الرشوة والسرقات على أعلى المستويات، ولا يمكن مواجهة الوضع الفاسد إلا بمزيد من تحمل المواطنين للمسؤولية ووقف تعاطي إبر التخدير هذه. وهذا هو السبيل الوحيد لإجبار المواطن على حسن اختياره لمن يمثله في مجلس الأمة، وهو مفتاح إيقاف الفساد الحكومي، "فكما تكونوا يولى عليكم".
مقالات
مزيد من إبر التخدير
30-01-2014