شهدت الفترة الأخيرة ظهور كليبات تعتمد على برامج الغرافيك والرسوم المتحركة كبديل عن تصويرها بالطريقة المعتادة، لاسيما في ظل انخفاض نسبة متابعة الجمهور لقنوات الأغاني، واهتمامهم بمواقع التواصل الاجتماعي التي تطرح هذه الكليبات الجديدة، ما يثير علامات استفهام حول الدوافع وراء هذه الظاهرة: هل هي  سوء الحالة الإنتاجية للمطربين، أم وسيلة للترويج لألبوماتهم قبل طرحها في الأسواق؟ وكيف ساهم فن الغرافيك في تطوير الكليبات؟ وهل يضيف إلى الأغنية المصوّرة أم ينتقص منها وكم تبلغ التكاليف المادية لهذه النوعية من الأعمال؟

Ad

كانت البداية مع دنيا سمير غانم التي طرحت أغنيات ثلاث من ألبومها {واحدة تانية خالص} باستخدام أسلوب الغرافيك، هي: {قصة شتا}، {الوقت بيسرقنا} و{عليك حبيبي كلام}، حققت نسب مشاهدة مرتفعة على موقع {يوتيوب}، وتفوقت على الأغنيات المصورة التقليدية.

في تصريح لـ {الجريدة}، يعزو حسين مطر، مصمم غرافيك أغنيات دنيا، اتباعه هذه الفكرة كونها تُقدم للمرة الأولى في الوطن العربي، واحتواء الأغنيات معاني كثيرة تصل إلى الأذن عبر الموسيقى، وإلى العين بشكل أكثر واقعية بواسطة الغرافيك.

يضيف أن كلفة تنفيذ الكليب على طريقة الغرافيك لا يمكن مقارنتها بكلفة إنتاج أغنية مصورة عادية، كذلك تختلف الكلفة من كليب إلى  آخر، حسب المجهود المبذول فيه، والمدة التي يستغرقها التنفيذ، معتبرا أن الوقت عامل أساس في تقديم هذه النوعية من الأغنيات، {لكن الأهم الموازنة بين الوقت والسرعة وجمال الكليب،  عموماً تتراوح مدة التنفيذ من خمسة أيام إلى أسبوع}.

يشير إلى أن فريق العمل توقع نجاح الفكرة المختلفة، ولكن ليس إلى هذه الدرجة؛ إذ انتشر الكليب  بين الناس بشكل مبهر.

كلفة مرتفعة

هاني عادل الذي قدم أغنيته {حرف وحيد} من فيلم {لامؤاخذة} باستخدام الغرافيك، سبق أن شارك مع فرقة وسط البلد في تقديم أغنية {فك إيديا} على النحو نفسه، وتم فيها تحويل مشاهد من تظاهرات المواطنين في الشارع خلال  ثورة 25 يناير إلى صور ورسوم متحركة.

يقول هاني عادل إن تنفيذ هذا الشكل من الأغنيات يستهلك وقتاً أطول من الكليب العادي الذي يقف فيه المطرب أمام الكاميرا ويتم التسجيل والتصوير، {ثم الفكرة نفسها التي يقوم عليها تنفيذ الكليب يجب أن تكون مختلفة ولافتة، وبناء عليها تُحدّد الكلفة، ولكنها غالباً ما تكون مرتفعة ولا يمكن مقارنتها بالكليبات العادية.

يضيف أن فكرة هذه الكليبات ليست حديثة، إنما تُنفّذ منذ سبعينيات القرن الماضي، ويرجع كثرة انتشارها أخيراً إلى  رغبة أصدقاء المطرب في مساعدته من شدة إعجابهم بموهبته عبر تنفيذ كليب بهذا الشكل، رغم أنه يتطلب مجهوداً كبيراً.

يتابع: {الكليب الذي يضمّ صوراً مصممة بالغرافيك للمشاركين فيه يتطلب مجهوداً مماثلاً لذلك المبذول في الكليبات العادية، فهو عبارة عن صور فوتوغرافية تأخذ مجهوداً في تحميلها، لأنها تلتقط من الأساس بكاميرات فوتوغرافية عادية، تتراوح بين 10 آلاف و15 ألف صورة، يجب دمجها بشكل متتابع، وبالتالي لا تجوز المقارنة بين تقنية الكليبات المعروفة وتقنية الغرافيك}.

طرحت مروة نصر أخيراً أغنية {وعدتك} من ألبومها {أحسن حالاتي} بطريقة الغرافيك، ومحمد عطيه {متكركبة} التي عرضها باستخدام صور متتابعة على صفحته على {فيسبوك}، فيما استعان سامي يوسف برسوم كارتونية متحركة في أغنيته {تبعوه لما عرفوه} للدفاع عن الإساءة التي تعرض لها الرسول من قبل رسام هولندي، ولبيان سماحة الدين الإسلامي.

عنصر الوقت

يوضح المخرج جميل جميل المغازي أنه تابع كليبات أغنيات دنيا سمير غانم، ويرجع تقديمها لها بهذا الشكل إلى حملها، وصعوبة قيامها بالتصوير أو الترويج لألبومها، ما يعني أن عنصر الوقت يتحكم بقرار المطرب بتقديمها.

يضيف: {مردود هذه الكليبات محدود لأن المطرب لا يظهر فيها، وهو ما يميز الأغنيات المصورة المعروفة؛ إذ يمكن للمشاهد رؤية مطربه المفضل، واللوك الجديد الذي يطل به، وطريقة أدائه للأغنية. في الخارج عندما ينفذ الكليب على هذا النحو يُراعى وجود أجزاء حية من الأحداث فيه}.

يرفض المغازي إطلاق لفظ {كليب} على الأغنيات التي يتم استعراض كلماتها عبر خلفيات ثابتة، مشبهاً إياها بالكتب، ومعتبراً أنها نوع من الإفلاس المادي، أو ربما استخدمها البعض لعدم امتلاكه موازنة  لتقديم كليبات مميزة، واستثنى منها  الأغنية التي تمزج بين الغرافيك والكليب العادي.

يتابع: {الأحداث الأخيرة وعدم الاستقرار الأمني، وخوف المنتجين من الدفع بأموالهم في أغنيات قد لا تحقق النجاح... كلها عوامل قد تقلل من إصدار الكليبات، لكنها لا  تسمح للغرافيك بالقضاء على الكليبات التقليدية، لأن الجمهور يرغب في مشاهدة الفنان والحكم عليه، وانتقاده، أو إبداء إعجابه به، ما يعني أن إطلالة الفنان مهمة}، مؤكداً أن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على انتشار الأغنيات، ونجاحها، حتى إذا كانت صوتاً من دون كليب لها.

تفادي القرصنة

{البحث عن عامل غير مألوف سبب رئيس في ظهور هذا النوع من الكليبات}، توضح الناقدة حنان شومان مشيرة إلى أنه عندما انهارت صناعة الكاسيت ظهر الـ {سي دي}، وكل منهما انهار بعد انتشار الإنترنت، حتى صار الكليب وسيلة للترويج للألبومات، ولكن الجمهور تشبع منه أخيراً  بسبب نمطيته وتقليديته واستنفاد أفكاره، حتى وصل مقدموه إلى مرحلة العري الكامل.

تعتبر  شومان أن الغرافيك وسيلة للفت الانتباه وتفادي عمليات القرصنة، وفقاً لعبارة {بيدي لا بيد عمرو} لأن صناعة الأغنية نفسها دمرتها قرصنة الإنترنت.

تضيف أن طرح هذه الأغنيات على {يوتيوب} يساهم في  متابعة مدى نجاحها، ونسبة مشاهدتها وتحميلها، بما لا يسمح لأي شخص بالتشكيك، إلى جانب الاستفادة من الإعلانات التي تُعرض لثوان قبل بدء الأغنية.

تتابع أن الاختراعات لا تؤثر على ما سبقها أو تلغي وجوده، وبالتالي لن تؤثر كليبات الغرافيك والرسوم المتحركة على الكليبات التقليدية، لافتة إلى أنها، في حال نجاحها، سيتبعها كثر، ويحاولون تطويرها.