الفساد بكل أشكاله موجود وسيستمر حتى تقوم الساعة، نعلم ذلك جيداً، والشيء الذي وجدت أنه أخطر من الفساد نفسه هو التطبيع معه وإقامة علاقات حسن جوار، وعقد معاهدات عدم اعتداء تجدد تلقائيا ما لم يفصح أحد الطرفين عن رغبته في فسخ ذلك العقد.
الفساد مراوغ، شرس، له عدة وجوه وألسنة، ويملك الكثير من الحيل لإسقاط الشرفاء في شباكه، يزداد عندما يتحول إلى مؤسسة، ويتفاقم عندما ينجح في "استئناس" مناطق الرفض في العقول، ويتفاخر في تخدير الألسنة الناطقة بالحق، ذلك هو أوقح شيء في الفساد عندما "يستأنسنا" بدلاً من أن نروضه ونشدّ اللجام عليه. نراه كيف يهدم صروحاً بشرية ويعيد تشكيل أصواتها "لتموء" وتتمسح بأقدام كبار الفاسدين، نراه كيف يتحول إلى مخلوق نستقبله في بيوتنا، ونقبل دعوته لزيارة أوكاره، وندافع عنه، ونجد له الأعذار ونعتذر نيابة عنه، ولا نرى عيوبه بل لا نريد أن نراها، ونحارب كل من فشل الفساد في عملية "استئناسه" وكبح جماحه. الفساد يتمدد كالوباء، ويبتلع المساحات البيضاء الواحدة تلو الأخرى؛ لأنه نجح في تحييد من قبلوا التخلي عن دورهم في محاربته، واكتفوا بمميزات معاهدة عدم الاعتداء وأهمها "الراحة من الصداع".لقد فاز الفساد عندما فرطنا في الشعور بالغضب والرغبة في العيش داخل الفضاءات النظيفة، فاز الفساد ومؤسساته عندما وحد المختلفين عليه ودمج الرجعي والتقدمي تحت سماء واحدة.خلاصة القول، الفساد نجح في خلق من ينكرون وجوده طالما أنه لم يتمثل لهم على هيئة شمس أو قمر أو ربما بشر أو حجر، "برافو عليك" يا فساد لقد أضفت إلى اسمك "مزعوم" لتصبح "الفساد المزعوم".
مقالات
الأغلبية الصامتة: التطبيع مع الفساد
22-05-2014