حذاء أسود على الرصيف، الرواية الأولى للقاصة باسمة العنزي التي كتبت من قبل ثلاث مجموعات قصصية، هي: 1- الأشياء، 2- حياة صغيرة خالية من الأحداث، 3- يغلق الباب على ضجر، وفي هذه المجموعات القصصية خطت باسمة طريقا لها متميزا في كتابة القصة القصيرة، ولعلها من أفضل كتاب القصة الشباب، وجوهر روايتها مبني على طريقتها في كتابة القصة القصيرة، ويبدو لي أنه من الصعب على الكاتب أن يتخلص من أسلوبه وطريقته في الكتابة من المرة الأولى، حينما ينتقل إلى شكل آخر منها، وهو ما عانيته في تحولي من كتابة الشعر والمسرحية إلى الرواية التي أخذت مني وقتا للانسلاخ منهما وفض الاشتباك ما بينها، وهو ذات الأمر الذي لاحظته في رواية باسمة القائمة على تسلسل قصصي لمجموعة حكايات لشخصيات جمعتهم ظروف العمل في شركة واحدة، فكل شخصية من هذه الشخصيات، وحتى كل مشهد هو قصة قصيرة مكتملة بذاتها، تراصها في مكان واحد هو الذي بُنيت عليه الرواية.

Ad

هذه الرواية كتبت عن مكان جديد أظن أن لا أحد من الكتاب الكويتيين قد كتب عنه، مما يُعد إضافة للكتابة عن المكان في الكويت الذي كتبه كتاب مثل ليلى العثمان التي تعد كتابتها عن الكويت القديمة مرجعا لكل باحث، ويشاركها آخرين في هذا التناول الخاص بمدينة الكويت أي العاصمة، وهناك من تناول أمكنة أخرى مثل وليد رجيب الذي كتب عن منطقة حولي، وأيضا طالب الرفاعي الذي كتب عن العمال في شركات نفط مدينة الأحمدي، ومنى الشمري كتبت عن مدينة الفحاحيل القديمة، وأنا أيضا تناولت قطاعات وأمكنة مختلفة من الكويت، وتأتي باسمة لتكشف عن حياة الموظفين في الشركات العملاقة مثل شركة الهواتف الذكية، التي في الواقع هي موظفة فيها، لذا جاءت كتابتها من واقع حقيقي مرصود تماما.

الرواية تدور حول عدة شخصيات اختارتهم باسمة لعكس واقع الشركة العملاقة، فمن رأس الإدارة اختارت رئيس مجلس إدارتها أبو طارق الذي يمتلك فيها ربع حصص أسهمها، يليه في الأهمية الدكتور فايز المدير الحالي لها، وسليمان المدير السابق، وأمواج؛ المرأة الحديدية المتمكنة من الإدارة، وجهاد الموظفة الفلسطينية المغلوبة على أمرها، ومهدي حارس الأمن الواقع في آخر درجة من السلم الوظيفي للشركة وهو من فئة البدون، هذه هي الباقة التي اختارتها باسمة لتعكس من خلالها واقعا يصور الحياة في هذه الشركات الربحية التي لا يهمها إلا جني الأرباح وتسيد الأسواق العالمية، ولعل عمل باسمة في قلب هذه الشركة مكنها من فهم قواعد اللعبة التي تقوم عليها إدارتها، مما مكنها من رسم شخصياتها بشكل مدروس ومنحوت من لحم حي أعاد تقديمها للقارئ الكويتي الذي يعرفها تمام المعرفة، وللقارئ العربي الذي لا يعرفها بتاتا، وأظنه سيستقبلها بحماس أكبر من حماس القارئ الكويتي الذي يعرف هذه الشخصيات بواقعها الحقيقي وما تقوم به من تصرفات، مما يقلل من دهشته فيها، الأمر الذي حرك في السؤال التالي: ما تأثير ما نكتبه على القارئ المحلي الذي يعرف ويدرك رسمنا لشخصيات واقعية يلمسها في حياته اليومية، وما عادت تمثل له أي ادهاش أو تأثير، وبالتالي هل من الأفضل للكاتب أن يبتعد عن رسم ونقل الواقع كما هو وقصه على قارئ يعرفه، أو من الأفضل إعادة خلقه وتصوره بمفهوم مختلف بعيدا عن التوازي معه؟

لغة الرواية كانت رشيقة وأنيقة في بساطتها تمكنت من نقل واقعها، والتنقلات بين الشخصيات وأحداثها سريع ومحكم مما أدى إلى إدارة النص بشكل مكثف مترابط باختصار، مما يعكس الجانب الإداري في شخصية باسمة كموظفة ناجحة في إدارتها التي امتدت حتى طالت النص.

رواية قصيرة جدا لكنها تبشر بالخير وتدل على مستقبل واعد بالأفضل. عيب الرواية الوحيد أنها جاءت بكتابة من الخارج وعلى لسان الكاتب العليم بكل شيء الذي لم يترك لشخصياته أي شيء، فقد كان يتكلم كمن يقرأ نشرة أخبار آخر الليل الكاشفة عن كل تقارير ما تم في النهار، وهذا لا يعني أن الكتابة الآتية من الخارج سيئة، لكن المطلوب هو التوازن ما بين الخارج والداخل.