واقعة {الأفيش} لن تكون الأخيرة، بل حلقة في سلسلة لا تنتهي من الاقتباس، سواء للملصق أو الفكرة أو الموسيقى التصويرية... ويصل الأمر إلى حد التطابق والسرقة من دون الإشارة إلى العمل الأصلي، أو حتى محاولة تغيير أو تعديل أو وضع لمسات ملائمة لعادات الشعوب العربية وتقاليدها، حتى لا يكون المنتج النهائي مبتوراً أو مشوهاً بسبب النقل الحرفي الذي يأتي مشوشاً، في كثير من الأحيان.

Ad

استسهال

«الاستسهال السبب الأول في ازدياد ظاهرة الاقتباس»، يوضح المخرج مجدي أحمد علي، مؤكداً أن انعدام الخيال وعدم القدرة على تحويل الواقع المعاش إلى عمل فني جدير بالاحترام،  السبب الثاني، «لا يعني ذلك أن ثمة قصوراً في الوسط الفني العربي، لكن الاستسهال أصبح يدر دخلاً أكثر من الاجتهاد والتفكير والابتكار خصوصاً  أن البعض يعشق المكسب السريع».

يضيف أن الفصل في هذه الظاهرة يكمن في تقييم كل عمل على حدة، {الاقتباس موجود في العالم بشروط وضوابط، لكننا ننفرد بأن معظم فنانينا الذين يخوضون هذه التجربة لا يهتمون بذكر اسم العمل الأصلي أو يحاولون وضع بصماتهم عليه}، مشيراً إلى أن البعض يلجأ إلى تلك الأعمال، ضماناً لنجاحها، نظراً إلى رؤيتهم التي تتلخص بأن أي عمل منقول ومقتبس من الخارج سينجح وسيحقق مكاسب خرافية}.

المؤلف يس الضوي {سيناريست} مسلسل {الزوجة الثانية} المنقول من الفيلم القديم الذي يحمل الاسم نفسه، يتحدث عن الاقتباس من خلال مسلسله ويقول: {كان من الممكن أن نأخذ التيمة الأساسية للعمل من دون الإشارة إلى الفيلم أو صاحب الرواية الأساسية، ونقدم الأحداث على أنها تدور هذه الأيام ونعالجها بشكل ملائم لنا، لكننا رفضنا تلك الطريقة وأخذنا الاسم باعتبار أننا غيرنا مجرى الأحداث بشكل كبير وكامل.

يضيف أن المسلسل واجهته مشكلة أخرى، هي مقارنة أبطاله بأبطال الفيلم، {يحدث ذلك في كثير من الأعمال التي تقدّم أكثر من مرة}، موضحاً أنه حاول الابتعاد عن سيناريو الفيلم ونسج أحداث وشخصيات جديدة في إطار القصة الأصلية، وأنه بحث عن الرواية الأصلية التي كتبها أحمد رشدي صالح في المكتبات القديمة ودار الكتب ولم يجدها، وكان يريد مطالعة العمل الأساسي قبل الشروع في كتابة المسلسل كي يفهم رؤية المؤلف ويضيف تعديلاته من خلالها.

يتابع أن الاقتباس بتصرف لا ضرر فيه طالما يتم ذكر اسم المؤلف الأصلي، وأن كثيراً من الفنانين العالميين يقومون بذلك، وهو بمثابة احترام للقيمين على العمل، في الوقت نفسه.

جرم سطو

يرى الناقد الفني كمال القاضي أن اقتباس ملصق مسلسل {السيدة الأولى} حرفياً لا يقل جرماً عن السطو على أي فكرة، طالما لم تتم الإشارة إلى مصدرها الرئيسي، مشيراً إلى أن مصر تزخر بصناع {أفيش} متميزين مثل الشحري ومحمد خليل، اللذين صمما بوسترات الأعمال من وحي خيالهما وبتفاصيل ورؤية مصرية خالصة تتناسب مع قيم مجتمعنا وعاداته وتقاليده، {لاسيما أن السينما والدراما تعبران عن الشعوب وتتحدثان بلسانها، فإذا راعى القيمون على الأعمال الفنية ذلك، فسيأتي العمل مصرياً خالصاً بدءاً من القصة وانتهاءً بالبوستر أو الأفيش، والدليل الأعمال التي قُدمت في الخمسينيات والستينيات ويرى فيها المشاهد مصر الحقيقية بعاداتها وتقاليدها}.

يضيف: {مسؤولية {الأفيش} ترجع مباشرة إلى المنتج الذي يحاول جذب انتباه الجمهور بأي وسيلة، فيلجأ إلى هذه الحيلة، أحياناً، باعتبار أن أي فكرة مستوردة من الخارج ستنجح لا محالة، خصوصاً  أنه عندما ينقل ملصقاً أجنبياً، سواء للتلفزيون أو السينما، لن يدفع مبلغاً ضخماً للمصمم الذي يكتفى بالنقل من دون أن يفكر أو يكلف نفسه أي مجهود}، مشيراً إلى أن العمل الذي يتبع تلك الطريقة لا يترك بصمة لدى الجمهور.

بدوره يلفت الناقد الفني رامي عبدالرازق إلى أن الاقتباس بحد ذاته ليس عيباً لكن له شروط وواجبات لا يجب أن يخرج عنها،  {ليس عيباً أن نذكر اسم العمل الذي تم الاقتباس منه، سواء كان أجنبياً أو عربياً قديماً، وهذا يحدث في العالم كله}، لكن يأسف للحالة التي وصل إليها بعض المؤلفين الذين يكتبون أسماءهم على الأعمال، باعتبار أنهم أصحاب القصة والسيناريو والحوار، في حين أن أي متابع أو ناقد سيكتشف بسهولة أن العمل  مقتبس أو بمعنى آخر مسروق، ثم الاعتراف بالاقتباس بحد ذاته شرف وأمانة طالما روعيت فيه القواعد المتعارف عليها.

يضيف: {يزخر  الفن المصري والعربي بحالات كثيرة من الاقتباس، فلا يمر عام من دون أن نجد عملاً مأخوذاً من عمل أجنبي، لكن أعيب على بعض المخرجين والمؤلفين أنهم لا يحاولون تمصير الأعمال التي يقتبسونها، فيظل الجو الغربي للعمل الأصلي موجوداً}.

يتابع: {على من يقتبس، إذا كان يمتلك جزءاً من الموهبة، أن يبتكر  جواً  يتلاءم  مع عاداتنا وتقاليدنا وشوارعنا ومناخنا، لأن المهم الفكرة والقصة والحبكة وليست التفاصيل الصغيرة، مثل الإضاءة والمعارك وحركة الكاميرا التي ينقلها بعض المخرجين حرفياً أو بمعنى أدق بالمسطرة}.