كما أن انحياز فلاديمير بوتين إلى بشار الأسد أفقده تأييد وتعاطف القطاع الأوسع من العرب، كذلك فإن انحياز رجب طيب أردوغان إلى الإخوان المسلمين قد أفقده مساندة المصريين بغالبيتهم والأكثرية العربية بمعظمها، فهذان الاثنان وجهان لعملة واحدة، وبهذا فإن وراء تحالف كل منهما دوافع انتهازية لا علاقة لها لا بـ"الممانعة والمقاومة" ولا بالدين الإسلامي الحنيف.

Ad

لقد ارتكب رجب طيب أردوغان خطأً فادحاً عندما أقحم نفسه وأقحم حزبه "حزب العدالة والتنمية" في شأن مصريٍّ داخلي، وعندما انحاز بطريقة مثيرة للعديد من التساؤلات لحزب سياسي الغاية عنده تبرر الوسيلة هو حزب الإخوان المسلمين الذي تنقل وتقلب في تحالفاته السياسية منذ تأسيسه في عام 1928 حسب مصالحه التنظيمية، وبقي مرة ينحاز إلى بريطانيا العظمى ومرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية.

كان على رجب طيب أردوغان ألا يتصرف تجاه ما جرى في مصر تحت وطأة الخوف من انقلاب عسكري، على غرار ما فعلته القوات المسلحة المصرية بعد الثلاثين من يونيو 2013، وكان عليه أن يبادر، بدلاً من انحيازه الذي لا مبرر له، لإصلاح ذات البين بين أشقاء من المفترض أنهم كلهم أشقاؤه فمصلحة تركيا الدولة، التي غابت عن العرب وغابوا عنها زهاء ثمانين عاماً، تقتضي أن تكون الشقيقة، أرض الكنانة، مستقرة وبعيدة عن هذا العنف الأهوج الذي أقحمها فيه الإخوان المسلمون الذين هُمْ مَن فرَّخ كل هذه التنظيمات الإرهابية.

إن المفترض أن رجب طيب أردوغان يعرف أن القوات المسلحة المصرية قد تحركت لتصحيح المسار وحسم الأمور تحت ضغط الملايين التي نزلت إلى الشوارع والساحات العامة في الثلاثين من يونيو  عام 2013، والتي أرعبها اختطاف الإخوان المسلمين لثورتهم رغم التحاقهم، أي الإخوان، بها متأخرين كثيراً، ولهذا فقد كان عليه ألا يقحم حزبه وألا يقحم تركيا في خلاف داخلي مصري، بل لقد كان عليه أن يستغل شعبيته العربية والمصرية وأن يلعب دوراً توفيقياً بين أبناء شعب شقيق بدلاً من أن يذهب بعيداً في الانحياز الحزبي الضيق، ويؤيد مجموعة أثبتت أنها غير مؤهلة للحكم على الإطلاق، وأنها اختطفت الثورة المصرية اختطافاً، كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

وبالطبع فإن هذا هو ما فعله فلاديمير بوتين بانحيازه، تحت ضغط البحث عن رقم رئيسي في المعادلة الدولية، إلى نظام بشار الأسد الذي لم يعد يشبهه في الكرة الأرضية كلها إلا نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية. وهنا فإنه لابد من التذكير بذلك المثل القائل: "قُلْ لي من هُمْ حلفاؤك أقل لك من أنت"، وحقيقة أنه لولا هذا الموقف المثير للكثير من التساؤلات الذي اتخذه الرئيس الروسي والذي كلف الشعب السوري كل هذه الأعداد من القتلى والجرحى والمشردين، وكل هذا الدمار والخراب لكان العرب كلهم يؤيدونه في صراع القرم وأوكرانيا مع أوروبا ومع الولايات المتحدة.

كان المفترض أن يكون انحياز روسيا التي جربت لسنوات طويلة حكم الحزب الأوحد ليس إلى بشار الأسد، ولا إلى الأفق الطائفي البغيض الذي بقي يحكم به هو ووالده قبله، بل إلى الشعب السوري وكان المفترض أن يلعب دوراً غير هذا الدور الذي لعبه في الأزمة السورية، لكنه للأسف لم يفعل هذا حيث انحاز إلى القاتل ضد الضحية، وهذا بالتأكيد سيدفع ثمنه الروس غالياً، فهناك جمهوريات إسلامية ترفض هذا الانحياز رفضاً قاطعاً، وهناك أكثر من عشرين مليون مسلم يرون أن استهداف المسلمين السُّنة هو استهداف لهم.