يصعب تخيل هبوط طائرة عملاقة تصم الآذان بهديرها، حيث يوجد في الوقت الراهن مجموعة من الشواطئ وحَيْد مرجاني حول مياه شبه استوائية تكثر فيها حيوانات الأطوم النادرة (الثدية المائية التي تشبه الفقمة ويطلق عليها أحيانا "بقر البحر"). وفي تلك الأثناء قد تنطلق أعمال بناء مطار ضخم جديد يستخدم كمهبط لمروحيات مشاة البحرية الأميركية عمّا قريب في منطقة هينوكو على الجانب الشرقي من أوكيناوا، وهي الجزيرة الرئيسة في السلسلة التي تشكل دولة اليابان في أقصى الجنوب، وعند نهاية سنة 2013 حصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي على إذن قانوني من حاكم تلك الولاية هيروكازو ناكيما للبدء بالعمل هناك.

Ad

ومنذ تسلم آبي مهام عمله في سنة 2012 عملت حكومته على الضغط على مسؤولين في أوكيناوا على أمل حل مشكلة أضرت بتحالف اليابان الأمني مع الولايات المتحدة طوال 17 سنة، فقد شعر سكان الجزيرة على الدوام باستياء من تركز عدد كبير من الجنود الأميركيين في منطقتهم الصغيرة، وبعد اغتصاب فتاة صغيرة من ثلاثة من مشاة البحرية في سنة 1995، وافقت الولايات المتحدة على إغلاق قاعدتها غير المرغوبة إلى حد كبير والتي يطلق عليها "فيوتينما" بمجرد بناء مدرج بديل، وكان الموقع المقترح هو هينوكو، وهي منطقة ريفية فيها معسكر مشاة البحرية يعرف باسم "شواب".

وفي وقت لاحق طلب السكان المحليون، بمن فيهم حكومة الولاية، نقل "فيوتينما" خارج جزيرة أوكيناوا بصورة تامة، وكانت الولايات المتحدة تخشى فقدان قواعدها في الجزيرة التي تتسم بأهمية كبيرة بالنسبة إلى سياستها الأمنية في آسيا.

ويقول رجل أعمال يدعى كازوهيكو ماتسودا في ناكو على مقربة من هينوكو "نحن نشعر أننا نخضع لاستعمار من خلال الوجود العسكري الأميركي" على الرغم من أنه يعترف باعتماد العديد من السكان على الأموال التي تتحقق من خلال تلك القواعد.

هذا المأزق قد ينتهي بفضل نجاح رئيس الوزراء آبي في الحصول على موافقة حاكم الولاية ناكيما على بناء مدرج جديد في مقابل نيل مبالغ كبيرة من المال من الحكومة- وقد وُعد في الشهر الماضي بالحصول على 300 مليار ين (2.9 مليار دولار) على شكل استثمارات سنوية في أوكيناوا حتى سنة 2021.

وهكذا فإن القليل من إنجازات رئيس الوزراء الياباني سوف تسعد الولايات المتحدة بقدر أكبر، ومع تفاقم التوتر بين اليابان والصين حول جزر في ولاية أوكيناوا تعرف باسم "سينكاكو" في اليابان (التي تقوم بإدارتها) ويطلق عليها "دياويو" في الصين (التي تطالب بها) ازدادت الأهمية الاستراتيجية لجزيرة أوكيناوا. وعلى أي حال فقد تصادف التقدم الذي تحقق في فيوتينما مع قرار آبي الذهاب إلى مقبرة ياسوكيوني، الذي يقع في شنتو لور في طوكيو، في 26 ديسمبر الماضي، حيث يضم رفات 14 من كبار مجرمي الحرب إضافة إلى 2.5 مليون من قتلى الحرب. وقد تسببت تلك الزيارة في حدوث انقلاب في العلاقات العامة بالنسبة إلى الصين، وبرهنت على صدق قرار كوريا الجنوبية برفض محاولات تحسين العلاقات مع اليابان، وهي العلاقات التي كانت الدبلوماسية الأميركية تسعى جاهدة إلى تحسينها.

 وقد أعلنت الولايات المتحدة أنها أصيبت "بخيبة أمل" كما أن زيارة رئيس الوزراء آبي تثير تساؤلات حول وجهة نظره ونواياه بالنسبة الى المنطقة، وتؤثر بشدة في نفوذ اليابان الدبلوماسي، بحسب دانييل راسل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا.

ويبدو أن آبي يحسب أن خطوات أخرى يتخذها من أجل تقوية التحالف مع الولايات المتحدة سوف تتفوق في أهميتها على تأثيرات زيارته إلى مقبرة ياسوكوني، وقد يكون على حق لأن قراره في السنة الماضية بشأن دفع اليابان إلى محادثات الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو جهد تقوده الولايات المتحدة لتحرير التجارة أحدث تأثيراً ملائماً لدى الولايات المتحدة، كما أن صناع السياسة الأميركيين يقرون أيضاً برنامجه الطموح الهادف إلى إحياء الاقتصاد الياباني، فحتى وقت قريب ظل الأميركيون يشعرون بقلق من أن النمو الهزيل لاقتصاد اليابان سيجعلها شريكاً استراتيجياً أقل فائدة.

دعم البنتاغون

تظل وزارة الدفاع الأميركية مؤيدة بقوة لخطوات رئيس الوزراء آبي الرامية إلى إصلاح تركيبة الأمن القومي في اليابان، وقد دعت منذ زمن بعيد إلى تخفيف اليابان لقيودها الدستورية وغيرها والتي تجعل قواتها المسلحة أقل فعالية، وسوف تسعى اليابان في هذه السنة إلى تغيير ترجمة دستورها السلمي، بحيث يسمح بقيام "دفاع جماعي عن النفس". ومثل هذا التغيير سوف يسمح لليابان بتقديم المساعدة إلى الحلفاء، خصوصاً الولايات المتحدة إذا تعرضوا لهجوم، ويشكل ذلك جزءاً من مراجعة وشيكة للخطوط العريضة للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان، وهي الخطوط التي تهدف إلى تحقيق تقارب أكبر بين الجانبين.

لكن توجد حدود على أي حال، ويقول مايكل غرين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأميركية واشنطن، إن العلاقات بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء الياباني محيرة لأن كل جانب يرى أن الجانب الآخر لا يمكن التنبؤ بمواقفه. وتشعر حكومة طوكيو، مثل الحكومات الآسيوية الآخرى، بقلق إزاء التزام الولايات المتحدة نحو المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق برغبة إدارة الرئيس أوباما في الدفاع عن جزر سينكاكو في حال الطوارئ، ومن المحتمل أن تتخذ اليابان المزيد من الخطوات لتعزيز دفاعها، وكانت حكومة آبي قالت إنها سوف تدرس مسألة الحصول على قدرة لتوجيه ضربة أولى ضد منشآت إطلاق الصواريخ المعادية، وسوف تتخذ مثل تلك الخطوة بمشاركة الولايات المتحدة، لكن التغيير سوف يمكن اليابان من تحقيق المزيد من النفوذ داخل التحالف.

وتتركز الأنظار في الوقت الراهن على "هينوكو" حيث يمكن لإنجاز آبي أن يقوَّض من السياسات المحلية، وقد تنتج عن انتخاب رئيس بلدية في ناغو أخيراً إعادة تعيين سوسومو إينامين الذي يعارض إعادة التوطين، وهو يقول إن أنظمة المدينة سوف تمنحه السلطة من أجل منع عملية البناء، وهكذا سوف يظل التحالف الأميركي- الياباني رهينة لفترة أطول نتيجة أحداث يشهدها شاطئ صغير هناك.