ما بعد الحكم!

نشر في 24-12-2013
آخر تحديث 24-12-2013 | 00:01
لا ينبغي أن تكون الأحكام الدستورية في ميزان الغالب والمغلوب، ومن الخطورة بمكان أن يتوهم البعض من خلال نشوة الانتصار أن نتيجة قرار المحكمة الدستورية قد يحقق له مآربه السياسية ومنفعته التي باتت ضيقة مهما حاول أن يلبسها عباءة المبادئ والمصلحة العامة.
 د. حسن عبدالله جوهر نكتب هذه السطور قبل 24 ساعة من صدور قرارات المحكمة الدستورية بشأن الطعون الانتخابية سواء ما يتعلق بمصير مجلس الأمة أو عضوية بعض نوابه، ومهما كانت الأحكام الصادرة فيجب أن تكون محل الاحترام وإن لم تعجبنا أو لا تخدم ميولنا السياسية.

وفي المقابل، فإن الأحكام الدستورية لا ينبغى أن تكون في ميزان الغالب والمغلوب، ومن الخطورة بمكان أن يتوهم البعض من خلال نشوة الانتصار أن نتيجة قرار المحكمة الدستورية قد يحقق له مآربه السياسية ومنفعته التي باتت ضيقة مهما حاول أن يلبسها عباءة المبادئ والصالح العام.

خلال السنوات الثلاث الماضية استخدمت الأحكام القضائية بأشكالها ودرجات التقاضي المختلفة كمتنفس فقط للتشفي والتهريج السياسي إعلامياً، دون أن تؤخذ هذه الأحكام كأرضية أو خريطة طريق للخروج من أزماتنا المتلاحقة التي لا يمكن أن نصل فيها إلى أي توافقات تفرضها استحقاقات المرحلة إلا عبر بوابة الحوار الصريح والمباشر وبناء مشروع وطني لا يختلف حوله اثنان.

قد تكون هذه مجرد تمنيات مثالية لأن ما أتوقعه بعد تاريخ 23 ديسمبر 2013 هو المضي في الاتجاه المتعاكس والمتباعد، ومن المرجح عندي أن تحكم المحكمة الدستورية بإبقاء ما هو قائم سياسياً أي إعادة تحصين "الصوت الواحد" والمجلس الحالي رغم المساوئ والسلبيات التي تعتري النظام الانتخابي والحالة الهزيلة لتركيبة المجلس وأدائه، وإذا افترضنا أي تعديل حكومي متزامن مع الحكم الدستوري، فإنه بلا شك سيستمر في كنترول المجلس الحالي بعد سد الذرائع وبشكل أسهل من أي وقت سابق.

والخشية الكبرى أن تستمر الحكومة "الجديدة" في نفس النهج وطريقة التفكير وغياب الرؤية لتستمر معها ذيول المشاكل العالقة، خصوصاً مع تفاقم صور الفساد المالي التي باتت موثقة محلياً وعالمياً، دون حول ولا قوة من مجلس ضعيف وتابع.

وفي المقابل، يتم التداول حول مشروع جديد للمعارضة قد يشتمل على طرح تعديلات دستورية مثل الحكومة المنتخبة، وشعبية رئاسة الوزراء، ومزيد من الصلاحيات للسلطة التشريعية، وهذه الأفكار رغم أهميتها كعصب في النظام الديمقراطي وضرورة ملحة ومرحلة آتية لا محالة، فإن توقيتها وطريقة الإعلان عنها والتسويق لها قد تكرس حالة الانشقاق والتباعد والاصطفاف، ومع تفكك المعارضة أو مساعي تطهيرها من "المندسين" و"الفاسدين"، فإن هذه الجبهة مع ما تطرح قد تولد ضعيفة ولا تملك الرصيد الشعبي ذاته قبل سنتين أو ثلاث، الأمر الذي قد تكون معه النتائج عكسية.

مثل هذه المطالبات وإن كانت راقية سياسياً، فإن آلية ترجمتها لا تتصل برحم الدستور، كما قد تعتبرها الحكومة ومجلسها الحليف نوعاً من الاستفزاز السياسي فيرد عليه أيضاً بـ"تهويشة" تنقيح الدستور وسلب حتى الجزء البسيط من استقلالية مجلس الأمة وأدواته الرقابية والتشريعية.

وكلما كان السير المتضاد والمتباعد زادت التعقيدات السياسية وتوالت الأزمات والمزيد من إرهاق البلد وتفريغ معنويات الناس إلى الحد الذي يتلاشى معه المجال المغناطيسي لأي نوع من الحلول مستقبلاً!

back to top