حتى لو اجتمع كل منجمي وسحرة الأرض على مدى حقب التاريخ لمعرفة ما الذي يجري بالنسبة للأزمة السورية لما عرفوا، فقد غدت بعد ثلاث سنوات من تحويل هذا البلد إلى ساحة للصراعات والمنافسات الدولية والإقليمية، أكثر تعقيداً من ذنب "الضب" وبحيث أنَّ أي "حلّال" بات لا يعرف من أين يبدأ وكيف سينتهي ومن هي الجهة التي بيدها القرار والقادرة على فرض إرادتها على كل الأطراف المشتبكة... هل هي نظام بشار الأسد أم إيران أم روسيا والولايات المتحدة معاً أم "داعش" الذي جعله التردد والتخاذل الأميركي  رقماً رئيسياً في هذه المعادلة التي غدت كونية؟!

Ad

أمس الأول وجه بان كي مون دعوات إلى أربعٍ وثلاثين دولة، إضافة إلى الهيئات الدولية والإقليمية، لحضور جنيف 2، الذي من المفترض انعقاده في الثاني والعشرين من هذا الشهر، وكل هذه الدول والأطراف لاتزال، مع أن هذا المؤتمر أصبح على الأبواب، لا تعرف ما هو جدول الأعمال وماذا ستناقش وما الذي تم الاتفاق عليه بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وما إذا كانت إيران ستحضر وعلى أي أساس وبناءً على أي مبرر؟!

المعروف أن مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ قرار "تفكيك" وتدمير الأسلحة الكيمياوية السورية قد تبنى قراراً بإجماع الدول الخمس الدائمة العضوية، التي من بينها روسيا الاتحادية وأميركا، ينص على أن "جنيف2" مُلْزمٌ بما جاء في "جنيف1"، وهو تشكيل هيئة قيادية سورية مطلقة الصلاحيات تقود سورية في مرحلة انتقالية محددة تجري بعدها انتخابات حرة وديمقراطية "تحت إشراف دولي" يقرر من خلالها الشعب السوري أيّ نظام يريد ويأخذ بلده إلى الديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة.

لكن مما يعزز الشكوك والريبة تجاه ما يجري بين الأميركيين والروس هو أنه لم تُبلغ المعارضة السورية حتى أمس، أي قبل نشر هذا المقال، بالتزام هذين الطرفين بما تم الاتفاق عليه في "جنيف1" وبما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي بكل أعضائه الدائمين من تأكيد للصيغة الآنفة الذكر المتعلقة بتشكيل الهيئة القيادية المتمتعة بالصلاحيات الكاملة والمطلقة، والتي يجب أن تقود البلاد نحو انتخابات ديمقراطية وحرة وبإشراف دولي يقول الشعب السوري من خلالها رأيه في مستقبل بلده ويختار القيادة التي يريدها.

إنَّ هناك صمتاً مريباً من قبل الأميركيين والروس وأيضاً من قبل دول الاتحاد الأوروبي المعنية، وذلك في حين أن المفترض أنْ يبادر هؤلاء إلى تأكيد أنَّ بشار الأسد بعد "جنيف2" لم يعد له أي دور في مستقبل سورية، وأنه لن يسمح له بالترشح مرة أخرى في الانتخابات التي من المفترض أن تجري في يوليو (تموز) المقبل. وهنا فإن تَرْكَ هذه المسألة الرئيسية خلف ستار كثيف من الغموض لا يمكن أن يفهم إلا على أن هناك مؤامرة تشترك فيها روسيا الاتحادية والولايات المتحدة، وأنَّ هناك طعنة بسكين مسموم موجهة إلى خاصرة الشعب السوري وإلى قلب المعارضة السورية.

لماذا كل هذا الغموض ولماذا لم يعد هناك همّ للولايات المتحدة إلا هم مشاركة إيران في هذا المؤتمر، الذي أرادته أميركا وروسيا مهرجاناً دولياً لا دور فيه للمشاركين الآخرين إلا "البصْم" على ما يريده الروس والأميركيون، وكل هذا والمعروف أنَّ دولة الولي الفقيه هي التي تحارب منذ البدايات، حرب بشار الأسد ضد شعبه... وبالأموال والأسلحة وفيلق القدس والميليشيات الطائفية التي يقال إن عددها وصل إلى اثنيْ عشر تنظيماً...؟!

ألا يعني هذا أن هناك صفقة خسيسة بين إيران وبين الروس والأميركيين، وإلا فما معنى كل هذا الإصرار على دور رئيسيٍّ للإيرانيين في هذه القضية التي هي قضية دول الشرق الأوسط كلها؟ وما معنى تركهم يسرحون ويمرحون في العراق والسكوت على كل المجازر التي يرتكبونها في سورية وعلى تدخلهم في الشؤون الداخلية لمصر والعديد من الدول العربية، ما معنى هذا ولماذا؟!