العق حتى تُرهق
لا شيء أسوأ من أناس أعطوا حرية الاختيار فاختاروا أن يكونوا عبيداً، غريبة هي الدنيا ففي أحد بقاعها هناك من يكافح لنيل حريته ويبذل نفسه وماله وأبناءه، وعلى الطرف الآخر منها من ولد حراً فأصبح عبداً من أجل حظوة عند سلطان قادم، أو مال من سلطان حالي.كم هي قبيحة مشاهد لعق الأحذية التي نراها في هذه الأيام، فأصحاب الأحذية كل منهم يريد أن يبرز نفسه كشخصية شعبية، فيجمع اللاعقين ويمد قدمه، فتبدأ حفلة اللعق المقرفة، لتصورها عدسات بعض اللاعقين من أصحاب "الفولورز" أو الخدمات الإخبارية، فكل منهم يعتقد أن من يلعق حذاءه سيكون ذا شأن في المستقبل، وبالتأكيد اللاعق القديم له حظوة أفضل من اللاعقين الجدد. ولو كنت مكان الشاعر يوسف عبدالرحمن لكتبت قصيدة أخرى بدلاً من:اضرب فلسنا نخاف السوط والوجعا
اضرب فإنك تبدو خائفاً جزعا إلى أخرى تبدأ بـ: نلعق فلسنا نخاف الطين والوجعا...نلعق إن سافر سيدنا أو رجعا. لا أعلم حقيقة كيف يستطيع هؤلاء اللاعقون أن يضعوا رؤوسهم على وساداتهم في آخر الليل، وهم يعلمون أنهم لعقوا حتى شبعوا من أوساخ حذاء سيدهم- الذي قد يكون أنظف ما فيه بالمناسبة- وكيف ينظر لنفسه بالمرآة وهو يرى بداخله ذلك اللاعق الذي لن يخرج من عباءته أبدا، لكن الأكيد أن "لعق الأحذية" أصبح مهنة لكثير ممن لا مهنة له، ولن أستغرب إنشاء نقابة "للاعقين" في المستقبل، وقد يتمادون ويطالبون بـ"دعم العمالة الوطنية". مؤسف هو الوضع في بلدي، والمؤسف أكثر أن أصحاب الأحذية مؤمنون بشعبيتهم، وأن اللاعقين ممن خلفهم وتحتهم مؤمنون بهم، والحقيقة أن الجميع يتنافس لما لديك يا سيدي، من مال ونفوذ وربما "مصادفات جينية"، وفي ذلك فليتنافس اللاعقون.