تزامنت  فترة إعداد كتاب {الإخوان المسلمون سنوات ما قبل الثورة» مع أيام عصيبة بدأت بمرض مؤلفه حسم تمام وانتهت برحيله عن عالمنا قبل أكثر من عام.

Ad

أمتاز أسلوب الكاتب بقدرته الفائقة على التحليل الاستثنائي والمتفرد في الشرح وفهم التيار الإسلامي على مستوى الأفكار والحركة والرؤية والاستراتيجية للأفراد والجماعات، فضلاً عن أنه يملك خارطة التيارات الإسلامية ويفك شفرتها وكل رموزها، وهو احتفظ طوال الوقت بهذه المحبة الدفيئة للتيار الإسلامي، لكنه كان حريصاً على أن يقرأه بعقله لا بقلبه، ويحلله ليضيف إليه مصححاً يفنده ليفيده، وينقصه ليقويه وينقده لينقيه. كذلك امتازت لغته بأنها لغة رشيقة عذبه ومفصلة.

الإخوان والإصلاح

يقول الكاتب إن التغير الكبير لجماعة «الإخوان» في خطابها من مساندة الأيديولوجية الإسلامية إلى نبذ العنف هي الاستراتيجية التي لعب عليها تيار «الإخوان»، وكان 2005 عام ربيعهم فشهد صعوداً واضحاً للإخوان عندما حازت الجماعة على أكثر من 88 مقعداً في البرلمان وهي أكثر من عشرة أضعاف ما حصلت عليه الأحزاب السياسية المعارضة مجتمعة، بما فيها الأحزاب الكبيرة مثل «الوفد» و{الناصري»، واقتسم «الإخوان» المشهد السياسي مع الحزب الوطني .

تنظيم محكم

استعرض المؤلف الأسباب التي أدت إلى عدم انهيار جماعة «الإخوان»، موضحاً أن أبرزها تأثر التنظيم بالتطورات المحيطة بحيث يتمدد في فترات الانفتاح السياسي وينكمش في فترات الانسداد السياسي، بالإضافة إلى احتواء التنظيم لأطياف فكرية ومناطقية مختلفة. واختصر «الإخوان» هدفهم في بناء تنظيم قوي تغلغل في كل تفاصيل مؤسسات المجتمع وتضاريسها، باستثناء الجيش والشرطة والمؤسسات السيادية الأخرى. كذلك كشف الكاتب عن مشروع «الإخوان» للوصول إلى تولي السلطة سلمياً، وهو المشروع الذي كُشفت وثائقه على أقراص مدمجة عام 1992 في شركة «سلسبيل»، وأشار حسام إلى أن من أسباب عدم تحديد العدد النهائي لجماعة «الإخوان» هو التجنيد السري بالإضافة إلى الإكثار من دوائر الأنصار والمتعاطفين.

 يتناول الكاتب بداية مرحلة «الإخوان» مع البنا عام 1928 بعدما سجلها بوصفها جماعة خيرية، ثم يستعرض تمام مرحلة سيد قطب وهوية جديدة للجماعة حيث يعتبرها مرحلة الأيديولوجيا في حياة «الإخوان»، وينقلنا للحديث عن فترة السبعينيات والثمانينيات واستثمار «الإخوان» في التنظيم حيث يستعرض الدور الذي أدته الجماعة خلال حكم السادات ونمو الاستثمارات  «الإخوانية»  في مجالات اجتماعية وخدماتية.

ويتابع المؤلف بحثه بأن يتناول فترة التسعينيات وانشقاقات تنظيمية غير مؤثرة بعد خروج ما يزيد على المئة من إخوان جامعة الأزهر واستقلالهم عن الجماعة تحت قيادة مسؤولها في الأزهر محمد رشدي (وقد عرف التنظيم باسمه) وانشقاق أبو العلا ماضي وصلاح عبد الكريم ومحمد عبد الطيف، وتبنيهم مشروع الوسط. كذلك يقدم الكاتب قراءة في موقف «الإخوان» من الحركات الاحتجاجية ذات المطالب الاجتماعية التي عرفتها مصر في السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير، محاولا تفسير الإضراب الكبير الذي وسم موقف الجماعة بحيث كان غاية في الالتباس والقلق، يتردد ما بين رفض وتحفظ أو تأييد خجول ثم مشاركة تتسع أو تضيق، بحسب الظروف والسياقات وتمظهرات الجماعة المختلفة.

تسلف الإخوان

يرصد الكتاب قضية «تسلف الإخوان» ضمن مؤشرات ودلالات تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة «الإخوان»، إذ شهدت السنوات الأخيرة نمو توجهات سلفية كامنة في جسم الجماعة تخرج بها عن نطاق الحركة الجامعة ذات الرؤية التوفيقية التي عرفت بها في مرحلة التأسيس نحو حالة من «التسلف» أو التحول إلى السلفية، وهي توجهات تعكس تحولات داخلية تتعرض لها التركيبة الإخوانية منذ فترة ليست بالقصيرة، بحيث صارت السلفية تياراً فاعلاً، بل وأكثر التيارات فاعلية وتأثيراً داخل جماعة «الإخوان». وتقدم الدراسة بحثاً معمقاً عن جذور المكون السلفي «الكامن» في جماعة الإخوان، والعوامل التي تقف وراء تطوره، ثم إبراز تجلياته الحالية.

الإخوان والجهاد

يشير حسم تمام إلى دراسة «الإخوان والحركات الجهادية، حيث تحاول الدراسة الإجابة عن تساؤل كبير يطرح نفسه بشأن العوامل التي تدفع إلى الجوء إلى استخدام العنف كوسيلة للعمل الإسلامي، والسياقات التي تصير فيها القوة المسلحة محل تفضيل بحيث ترجع الحركة إلى الجانب الأيديولوجي لديها (والفقهي أيضاً في حالة الجهاد) الذي يتضمن تبريراً للجوئها إلى استخدام العنف المسلح لتحقيق أهدافها. كذلك يناقش علاقة الجماعة الإخوانية بمسألة العنف المسلح وموقفها من موضوع الجهاد المعولم واستخدام القوة في التغيير بشكل عام، وما إذا كانت الجماعة ستسجل عودة ضمن رؤيتها لمسألة الجهاد أقله على مستوى الأجندة العالمية.

بين الوطنية والأممية

يقدم الكاتب مقاربة لإشكالية «الإخوان والدولة»، انطلاقاً من افتراضية أن الإسلاميين بنوا رؤيتهم للدولة على ما هو قائم، واستقر في خيالهم السياسي نموذج للدولة كما ورثته النظم العربية في القرن العشرين بما في ذلك مسألة تطبيق الشريعة باعتبارها قانوناً أساسياً للدولة. ولا تتوقف الدراسة عند تتبع مفهوم الدولة في أدبيات الحركة، وإن كان ذلك مهماً، لكن الفعل السياسي يظل مهماً لجهة البعد عن إصدار أحكام قيمية قد تجعل من مبحث الدولة لدى الإسلاميين لا يختلف عن مبحث الإمامة في مصنفات الفقه القديمة

نبذة

الكاتب حسام تمام أحد أبرز الخبراء العرب في شؤون الإسلام السياسي، ومؤسس أول مرصد متخصص في دراسة الحركات الإسلامية. شغل منصب مدير تحرير قطاع الحركات الإسلامية في موقع «إسلام أون لاين»، وصدرت له كتب وترجمات عدة في الحركات الإسلامية أبرزها: «مع الحركات الإسلامية في العالم: رموز وتجارب وأفكار»، و{تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الأيديولوجية ونهاية التنظيم». كان محاضراً في جامعة زيورخ، وساهم في كثير من الإصدارات المتخصصة في الشرق الأوسط، بالتعاون مع عدد من الجهات البحثية الأوروبية.