الصين: إصلاحات اقتصادية تعزز النمو بعد حين
في حالة القلق إزاء أهداف النمو، غابت حقيقة أن الإصلاحات الهيكلية الجريئة التي أعلنت في المؤتمر الثالث للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في شهر نوفمبر الماضي، إذا ما نفذت بصورة كاملة، فستحقق تحولاً في بنية الاقتصاد الصيني برمته.
مثل معظم الاصلاحات، قد تحقق الاصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها بكين نمواً مستداماً طويل الأجل، لكنها وبالتأكيد ستتسبب بتباطؤ مسيرة النمو في الأجل القصير.وكانت الحكومة الصينية وطوال أكثر من عقدين من الزمن تعلن رسميا معدل نمو سنوي مستهدف للناتج المحلي الاجمالي وتتمكن من تحقيقه بل قد تتجاوز ذلك المعدل المعلن. وقد اختارت الصين في هذه السنة عدم الافصاح عن مثل ذلك الهدف تاركة توجسا في الوسط التجاري من احتمال تراجع النمو الاقتصادي في الصين بقدر أكبر في السنة الجديدة. (كان معدل النمو قد شهد تراجعا سنويا بصورة ثابتة منذ 2010).
وفي حالة القلق ازاء أهداف النمو، غابت حقيقة أن الاصلاحات الهيكلية الجريئة التي أعلنت في المؤتمر الثالث للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في شهر نوفمبر الماضي، اذا ما نفذت بصورة كاملة، سوف تحقق تحولا في بنية الاقتصاد الصيني برمته. ولكن مثل معظم الاصلاحات، قد تحقق الاصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها بكين نمواً مستداماً طويل الأجل، لكنها وبالتأكيد ستتسبب بتباطؤ مسيرة النمو في المدى القصير.الناتج المحليلم يغب ذلك عن ذهن صناع السياسة في الصين، وهم يفهمون أنهم في وضع خسارة اذا ما اختاروا هدفاً قاسياً للناتج المحلي الاجمالي في سنة 2014. والقيام بذلك، من وجهة بلاغية، سوف يشوه الوعد الذي قطعته القيادة الجديدة حول انهاء «فضيلة الناتج المحلي الاجمالي». ومن وجهة عملية سوف يوفر تحديد مستوى عال جداً للهدف اشارة الى السوق بأن الحكومة مستعدة للتضحية بالاصلاح الاقتصادي من أجل الحفاظ على النمو. أما خفض الهدف فسوف يبعث برسالة سلبية مماثلة ويقوض الثقة في الاقتصاد الصيني.وفي ظل مثل هذه الظروف يبدو أن من الحكمة بالنسبة الى بكين عدم الاعلان عن هدف رسمي، في الوقت الراهن على الأقل، حتى تتمكن من الاحتفاظ بالبعض من المرونة. ولكن مثل ذلك الغموض لا يحرر الحكومة الصينية من معضلاتها الاقتصادية. وبصورة مبسطة سوف يتعين على الزعيم الصيني الجديد زي جنبنغ ورفاقه تطبيق ما يكفي من الاصلاحات فيما يعملون على ضمان عدم هبوط النمو بصورة سريعة. والاصلاحات الطفيفة، مثل انسيابية الموافقة على التسجيل التجاري، والسماح ببنوك خاصة صغيرة ومتوسطة الحجم، وتحرير سياسة الطفل الواحد، وتوسيع مرونة معدلات الصرف يجب أن تعزز النمو بصورة متواضعة وقد لا يكون لها أي تأثير. لكن هذه الاصلاحات سوف تسهم بقدر قليل في تأكيد مصداقية القيادة الجديدة بوصفها اصلاحية راديكالية.معدل النمو ولا ريب في أن من شأن الاصلاحات الأكثر أهمية أن تثبط من معدل النمو، ومن أمثلة هذ: طرح معدلات فائدة على أساس السوق، خفض فائض الطاقة، وتعريض المشاريع المملوكة للدولة الى منافسة متزايدة واخضاعها لانضباط مالي وتطبيق قوانين بيئية مشددة، ورفع أسعار الموارد الطبيعية، يتوقع لها أن تثبط النمو.يذكر أن أكبر مساهم في نمو الناتج المحلي الاجمالي في الصين كان الاستثمار في الأصول الثابتة، وهي فئة تشمل البنية التحتية والعقارات ومنشآت التصنيع. ولكن النمو المدفوع بالاستثمارات يفضي بشكل حتمي الى طاقة انتاجية، وكبح مالي، وكساد استهلاكي عائلي. كما أن هدف بكين النهائي هو خفض اعتماد الصين على هذا النوع من النمو وتحويله الى نوعية مستدامة تعتمد على الاستهلاك.يبدو هذا الهدف بسيطاً ويستحق الثناء ولكن يصعب تحقيقه تماماً. وبعيداً عن معارضة المجموعات النفعية التي تستفيد من هذا النموذج فإن أي تحول في النمو المدفوع بالاستثمار الى نوعية تعتمد على الاستهلاك سوف ينطوي، في الأجل القصير، على هبوط حتمي في النمو بشكل اجمالي. (عانت كل جارات الصين في شرق آسيا من مثل هذا الانكماش في النمو خلال مرحلة التحول). وفي حالة الصين سوف يحتاج الأداء الرئيسي للدولة الى التحول من تحقيق استثمارات أو ادارة مشاريع تجارية الى توفير خدمات اجتماعية (مثل الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي وحماية البيئة). وحتى في ظل أكثر الظروف مثالية، مع افتراض وجود ارادة وقدرة لدى الدولة لتطبيق مثل هذه الاصلاحات فإن العملية الانتقالية سوف تكون في حاجة الى سنوات عديدة.نموذج قديمالإغراء الأكثر سوءاً بالنسبة الى حكومة علقت في هذه المعضلة هو الاستمرار في الاعتماد على النموذج القديم المدفوع بالاستثمار بغية الحفاظ على النمو خلال الفترة الانتقالية. وقد حدث هذا في النصف الثاني من سنة 2013 عندما استجابت بكين الى تباطؤ النمو بطرح خطة تحفيز خفية أطلقت المزيد من الائتمان المصرفي للاستثمار. وكان الثمن باهظاً. وعلى الرغم من أن بكين حققت هدف النمو المعلن البالغ 7.8 في المئة في سنة 2013 فإن الاختلالات الهيكلية في الصين (افراط طاقة الانتاج القصوى ازاء 30 في المئة في ما يقارب كل قطاعات التصنيع وفقاعة العقارات والديون الزائدة) قد غدت أكثر سوءاً.قد يلتمس المرء العذر لحكومة بكين لاختيارها طريقة الخروج السهلة في سنة 2013 لأن قادتها الجدد انشغلوا بصياغة خطة اصلاح. ولكن هذه المجادلة لن تكون مقنعة في سنة 2014.وبغية تحديد ما اذا كانت حكومة بكين سوف تولي أولوية للاصلاح على النمو نحن في حاجة الى مراقبة رقم واحد فقط – نمو الائتمان. واذا استمرت الصين بالسماح للائتمان بالنمو عند حوالي 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في هذه السنة (وهو المعدل الوسطي للسنوات الخمس الماضية) واذا تم توظيف معظم الائتمان الجديد في الاستثمار سوف يظهر ذلك أن القيادة الجديدة، على الرغم من كل بلاغتها، لا تملك الشجاعة للقيام بإصلاحات.* (مجلة فورتشن)