مصطلح "التجار" أصبح يردد مؤخراً بشكل سلبي واسع جداً في الكويت، ويقرن بكل مشاكل البلد والمسؤولية عنها، ولا تكاد تخلو مقالة انتقاد للحكومة أو ذكر قضية فساد إلا بوصلها بما يسمى بتحالف السلطة والتجار الذي لا يمكن أن نقر أو ننفي كلياً مصداقيته، وما حدث الخميس الماضي في جلسة مجلس الأمة المخصصة للمشكلة الإسكانية خير دليل على ذلك، إذ حمل أغلبية النواب ذنب تضخم المشكلة وديمومتها وتداعياتها للحكومة و"التجار" معاً، وتكرر تعبير "التجار" بشكل لافت في تلك الجلسة، ما سيعزز عملية الشحن السلبي الذي تمتلئ به عقول وقلوب الشعب الكويتي ضد هذه الشريحة والذي يتنامى ويكبر بشكل لافت.
مصطلح "التجار" في الكويت اليوم يختلف عما كان عليه قبل 50 عاماً، وإن كانت مكوناته الرئيسية مازالت تشكل قوامه الرئيسي، فهذه الشريحة الآن دخلت فيها قطاعات جديدة مختلفة، أهمها من انتقلوا من أسرة الحكم إلى العمل التجاري، وصاروا مكوناً رئيسياً فيه، ونتج عنه دمج عنصري الحكم والتجارة معاً، وبذلك أصبح قطبا إدارة الكويت تاريخياً وتنافسهما في تداخل وتماس مباشر، وهو الاختلاف الجوهري الذي طرأ على مصطلح "التجار" كويتياً. ورغم تجارب الكويتيين السلبية والإيجابية تاريخيا مع التجار فإن الإيجابي منها هو الغالب والمؤثر، لما قام به التجار من تنشئة ورعاية لنهضة الكويت الاقتصادية والثقافية، وجهودهم في بناء الدولة الحديثة، وفي المقابل فإنه لولا تضحيات الكويتيين وجدهم، وكذلك الكويت كوطن لما نمت أعمال التجار الكويتيين، وأصبحوا في الصف الأول من رجال الأعمال في العالم، فأقرانهم من أصحاب مكاتب التجارة في القرن الماضي في عدن وكراتشي وبومبي هم الآن تجار بخور وبهارات وأخشاب محدودو الإمكانيات في حي العرب في سنغافورة ومومباسا وجوا، بينما "التثمين" وفوائض مناقصات النفط جعلت تجارنا يحتلون أهم المواقع في البورصات الدولية ومجالات الاستثمار المختلفة حول العالم. ما يجري حالياً من تراكم حالة اللوم والحنق على شريحة التجار، وتحميلها تبعات مشاكل وخيبات البلد لا يمكن أن يتغاضى عنه غالبية تجار الكويت الملتزمين والمحبين لوطنهم، ويستمروا في تجاهله بدعوى أنها أصوات حاقدة وحاسدة لهم أو تخدم أجندات خصوم لهم، بل إنها في الواقع تؤسس أجيالاً كاملة غاضبة عليهم، ربما تقوم بأفعال انتقامية متهورة ضدهم في المستقبل، في ظل التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، وأيضاً ملاحقات قانونية انتقامية للملتزمين منهم مع المتجاوزين والفاسدين قد تمتد إلى عقود مقبلة، في ظل الاتفاقيات والتشريعات الدولية المصادق عليها من معظم دول العالم والتي تمكنهم من ذلك. ولذلك فإن القوام والمكون الرئيسي والأصيل لشريحة "التجار" الكويتية، بما يتضمنه من رجالات دولة وحكمة وتجارب واسعة مطالب بأن ينقي نفسه ويبرئ ساحته بعدة مبادرات متتالية مما لحق بسمعته من تلطيخ بالفساد والتنفع من مشاريع الدولة، وأن يجد طريقة بخلاف بناء مرافق صحية تحمل أسماءهم فقط، فالمطلوب مبادرات شعبية من الأغلبية من شرفاء التجار بالتبرؤ من المتجاوزين ونبذهم، وإسناد ذلك بدعم إصلاح قانون المناقصات العامة، وعدم معارضة دخول شركات المقاولات العالمية دون وسيط لتجديد البنية التحتية وحل مشكلة الإسكان وتعمير المرافق الصحية وتخفيف حدة غضب الكويتيين، وحتى صياغة قانون ضرائب عادل لأصحاب الأعمال تتبناه وتقدمه غرفة التجارة والصناعة ليكون "التجار" القدوة الحسنة لبقية شرائح المجتمع، وذلك لوقف تنامي حالة التذمر والاتهامات ضدهم، لأن تجارب التاريخ تثبت أن الشحن السلبي ضد شريحة ما في المجتمع تكون نتائجه وخيمة عليها وعلى المجتمع كله.
أخر كلام
«التجار»... ماذا أنتم فاعلون؟!
15-12-2013