«ثمار» الفساد... شهيرة ومنتشرة في البرازيل!
يتهكم العديد من أبناء البرازيل كثيراً على الأحكام القضائية الصادرة في حق ذوي الثروة والنفوذ في ضوء تاريخ طويل من التساهل والليونة معهم، وتساورهم الشكوك في أن المتهمين في فضيحة «مينسالاو» سيودعون السجون لتمتعهم بعلاقات سياسية قوية.
"جابوتيكابا"... هي فاكهة تشبه إلى حد بعيد العنب وتنمو في البرازيل فقط، ويستخدم اسمها في الإشارة إلى الغرائب والتناقضات التي لا يمكن أن تشاهد مثلها في أي مكان آخر في العالم إلا في البرازيل. وخير مثال على ذلك الفترة المطولة للاستئناف القضائي التي سمحت لـ25 من السياسيين ورجال الأعمال- ممن أدينوا في قضية "مينسالاو" (الحصول على رواتب شهرية هائلة) وهي فضيحة فساد سياسي ضخمة كشف النقاب عنه في عام 2005- بالبقاء خارج السجن بعد صدور الحكم ضدهم في ديسمبر الماضي.فقد أدانتهم المحكمة العليا وكانت جرائمهم خطيرة شملت الرشوة وغسل الأموال والفساد. وكان بعض الأحكام الصادرة بحقهم تزيد مددها على 8 سنوات- وهو ما يجعلهم بموجب القوانين البرازيل لا ينطبق عليهم فكرة الإيداع في سجون ذات إجراءات أمنية مخففة، أو إبقائهم قيد الإقامة الجبرية، أو الخضوع لخدمة مجتمعية، أو دفع غرامة... وعلى الرغم من ذلك ظلوا أحراراً واستمر أربعة منهم في شغل مقاعد في الكونغرس.
لكن في 13 نوفمبر الجاري تغير الوضع على الأقل بالنسبة لبعض المتهمين في فضيحة "مينسالاو"، حيث انتهت مرحلة المتعة بالمزايا والوضع الغرائبي، فقد رفضت المحكمة العليا، خلال ساعات قليلة فقط، طلبات استئناف غريبة لم يكن لديها أي فرصة لتغيير أي أحكام، إذ كانت تستهدف الحصول على توضيحات تتعلق بإغفال أو غموض مفترض في تلك الأحكام. وقال القضاة إن طلبات الاستئناف كانت "ذات طبيعة تسويفية" وقدمت بغية تأجيل تنفيذ الأحكام فقط.وفي أعقاب ذلك التصريح حدثت الصدمة الحقيقية التي تمثلت في إعلان المحكمة أن الأحكام يجب أن تطبق على الفور وأن مذكرات توقيف ستصدر خلال الأيام المقبلة. كان ذلك مفاجئاً بصورة خاصة لأن المدعى عليهم تمكنوا في 12 سبتمبر الماضي من إقناع المحكمة العليا بقبول مفارقة برازيلية أخرى: محاكمة جديدة في المحكمة ذاتها- وهي الأعلى في البلاد. وأولئك الذين تمت إدانتهم بأكثرية بسيطة في واحدة على الأقل من مجمل جرائمهم ستعاد محاكمتهم في عام 2014، على الرغم من أن ذلك سيقتصر على تلك الجرائم فقط- مع استمرار الأحكام الأخرى الصادرة ضدهم.وهذا جانب مهم حقاً بالنسبة إلى قضيتين كبيرتين: فقد وُجد خوسيه ديرسيو، الذي شغل منصب رئيس الأركان في الفترة ما بين عامي 2003 و2005 في عهد الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دي سيلفا، مذنباً في جرائم عدة، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات وعشرة أشهر، لكن إدانته بتهمة التآمر يمكن أن تسقط عنه- وإذا حدث ذلك فإن المدة الإجمالية ستقل عن الـ8 سنوات بما يسمح له تفادي تمضية العقوبة في سجن مغلق أو البقاء قيد إجراءات أمنية مشددة.هناك العديد من أبناء البرازيل ممن يتملكهم حس السخرية، يتهكمون كثيراً على الأحكام القضائية الصادرة في حق ذوي الثروة والنفوذ في ضوء تاريخ طويل من التساهل والليونة معهم، وتساورهم الشكوك بأن السيد ديرسيو سيودع السجن مع شركائه في الجرائم كونه من أولئك الذين يتمتعون بعلاقات سياسية قوية.ولم تغفل التعليقات الساخرة الحديث عن حقيقة أن أولئك الذين سيعاد محاكمتهم في السنة المقبلة قد تم "تقطيع" الأحكام الصادرة ضدهم بما يتيح للسيد ديرسيو الحق في تمضية فترة العقوبة داخل سجون الإجراءات الأمنية المخففة التي تسمح له بحرية الخروج خلال النهار والعودة إلى السجن للنوم فقط.وإذا ما جرى تأييد الحكم وصدوره بصورة نهائية، فإن فترة السجن المخفف ستقطع من مدة الحكم الإجمالية التي يتعين تمضيتها في سجن مغلق. ومن المقرر أن يذهب متهم آخر في فضيحة "مينسالاو" يدعى بيدرو هنري إلى سجن مفتوح أيضاً، حيث يكون بمقدوره الجمع بين عقوبة السجن وعمله الحالي كمشرع في الكونغرس البرازيلي... ولايزال هناك الكثير من ثمار الـ"جابوتيكابا" التي تنمو بكثرة في البرازيل!