«مشاغل النص واشتغال القراءة» لسعد البازعي النقد أكثر احتفاء بالرواية
صدر أخيراً عن دار {طوى} كتاب {مشاغل النص واشتغال القراءة... مقالات حول الرواية والشعر} للباحث والمؤلف سعد البازعي.
يضم كتاب البازعي مقالات نشرت في صحف ومجلات كـ{الحياة} و{الشرق} و{ألف: مجلة البلاغة المقارنة}. ومقالات أخرى هي أوراق بحثية قدمها المؤلف للنقاش على منابر ثقافية، مثل كلية اليمامة بالرياض، ومجلة {العربي} بالكويت، ونادي جدة الثقافي، وغيرها.تنقسم النصوص إلى روايات وقصائد جاء تناولها إما مجملاً في أوراق نقدية مطولة نسبياً أو مقالات مستقلة، وهذا الاستقلال ينسحب على الروايات لا على القصائد. من هنا انتظمت النصوص الشعرية ضمن أطروحات عامة، حداثة الصحراء، الخطاب الشعري، مواجهات العزلة... في حين جاءت الروايات ضمن تلك الأطروحات العامة أو في مقالات مفردة ينتظم بعضها ضمن رؤية نقدية تجمعها، كما في حالة الأثر الرقابي على النص السردي.
نص مسكونيشير المؤلف، في أحد نصوص الكتاب، إلى أن عصرنا الحالي هو عصر النقد، لأن النقد ببساطة يعني احتداد الوعي بالمنتج الثقافي، أو تزايد المد العقلاني بشكل خاص وتأثيره على الأدب إنتاجاً وتلقياً.يضيف البازعي أنه ومن نتائج التطور الثقافي والفكري والأدبي، أن النص الأدبي أصبح مسكوناً بالكثير من المعطيات النقدية التي تحضر بشكل واع أو غير واع. الشكل اللاواعي كان موجوداً منذ البدء، كما هو معروف، لأنه جزء طبيعي من العملية الإبداعية بل مكون أساسي من مكوناتها. وما يلفت النظر هو الحضور الواعي أي استدعاء الكاتب للمقولات النقدية على اختلافها بطرق مختلفة، وتأثير ذلك الحضور على مسار العملية الكتابية.يعتقد البازعي أنه من الطبيعي أن تكون الرواية باتساعها ونثريتها وتفاصيلها وعقلانيتها النسبية الأكثر احتفاءً بالنقد وتمثلاً له والتفاعل معه. ومن هنا يركز البازعي الحديث على الرواية السعودية ومنطقة الخليج، من خلال بعض الأمثلة لإيضاح وجهة نظره. ويعتبر الباحث أن الروائيين، في هذه المنطقة، لم يخرجوا عن سياق عربي وعالمي معاصر يتماهون معه قليلاً أو كثيراً. ويشير إلى أن العصر الحديث شهد نوعين من الروايات التي تستحضر وعياً نقدياً في نسيجها السردي. النوع الأول هو ما عرف بالرواية الجديدة التي تطورت في فرنسا في الستينيات، كما عند آلان روب غرييه وناتالي ساروت، والثاني هو الذي عرف بالميتافكشن، أو ما وراء القصة وهو النوع الذي تطور في الولايات المتحدة، في المقام الأول، لدى كتاب مثل توم بنشن وجون بارث وغيرهما.تفاعل وتكامليلفت البازعي إلى أن التفاعل مع الثقافات الأخرى شرط أساسي وبالغ الحيوية لتطور أي ثقافة، لأن من غير المتصور أن تنهض حركة ثقافية في أي مكان من دون عناصر تأتي من خارج تلك الحركة. هذا كلام بديهي لكنه ضروري لسببين: الأول لأن الثقافة العربية تمر اليوم بمرحلة تكاد فيها أن تعيد النظر، حتى في مثل هذه البديهيات، على النحو الذي يدعو إلى ما يشبه الخنق الثقافي، من خلال تشدد ديني معتم يشكك في الثقافات الأخرى ويتحدث عن غزو ثقافي لا ينتهي ومؤامرات لابتلاع الثقافة العربية أو تشويهها.أما السبب الثاني فهو الدخول في ما يؤكد عكس ما يراه الداعون إلى ذلك الموقف المتشدد إزاء التفاعل الثقافي، للوقوف على نماذج من التحولات الثقافية التي لم تكن لتحدث لولا قدر من الانفتاح الثقافي يستدعيه الوجود الإنساني المشترك، وضرورة السعي وراء ما هو مميز ومثرٍ في العطاءات الثقافية المختلفة. على أن من الضروري اتباع ذلك بالقول إن حضور الثقافات الأخرى، أو ما يشير إليه البازعي تحت مفهوم {التفاعل والتمثيل}، لا يحدث دائماً من خلال رغبة في التفاعل ناتجة عن حالة انسجام أو إعجاب بما لدى ذلك الآخر، أو ما لدى الثقافة الأخرى، مما ينبغي أخذه والإفادة منه على نحو ما. قد يكون التفاعل ناشئاً عن توتر أو صراع، ويعبر عن موقف رفض أو احتجاج، مثلما أنه يعبر أحياناً عن موقف تلاحم وانبهار. لكنه في كل الحالات أمر لا مناص منه على نحو مفرط، ولا بد من مواجهته والاعتراف بحضوره، لا يعني ذلك هل يحضر الآخر وإنما كيف يحضر، ولا هل يتمثل، إنما كيف يتمثل.عزلة شكليةحسب المؤلف فإنه، وفي مستهل الحداثة الشعرية العربية، واجهت قصيدة التفعيلة عزلتها الشكلية فرجم إيقاعها المتفلت بتهم اغتيال التراث، لكنها ظلت محتمية ببعض صلة تربطها بذلك التراث نفسه، فمضت في وجود قلق يقبل حيناً ويرفض حيناً. أما قصيدة النثر فكان قدرها أكثر اكتظاظاً بالشجب والرفض والاستهزاء. ولم يقتصر الوضع على قطر بعينه، لكنه في بعض الأقطار العربية أكثر إمعاناً في الوحشة والاغتراب. قصيدة النثر، حين جاءت الجزيرة العربية، وجدت نفسها في عرين الأسد، تحارب ملك الوزن والقافية في واحد من آخر معاقل تسيده، في المكان الذي ما زال في طور الخروج من الشفاهية إلى الكتابة، فهو بالكاد يحتفي بالقصيدة الفصيحة العروضية ليطالب بتقبل نص يرمي بكل موروث العرب في هباء التحرر والفردية.في خمسينيات القرن الماضي، وقبل أن تغرس الحداثة الشعرية محمولة على قصيدة التفعيلة جذوراً لها في تربة السعودية، كتب ناصر بو حميد قصائد نثرية ضمها في ما بعد في مجموعة شعرية صغيرة تحت عنوان {قلق}، تكمن قيمتها في أسبقيتها التاريخية أكثر مما تكمن في قيمتها الجمالية أو الدلالية. غير أن القيمة الدلالية مهمة، أيضاً، في أنها حملت مع مجيء النثر إلى رحاب القصيدة قلق العزلة منها:من ذا الذي يطرق نافذة بيتيالظلام الرهيب يكفنني بجلبابهمنزلي على قارعة الطريقيرصد العابرين في قلقوالمدلجين في ذعر...إذهبلن تجد أحداً هنالن تجد إلا القلقإلا اليأس.