إذا لم تكن قد طرأت مفاجأة قبل انتخابات الرئاسة التركية، التي جرت أمس الأحد وخلالها، فالمؤكد أن عملية فرز صناديق الاقتراع، التي من المتوقع ألا تعطي نتائجها إلا صباح اليوم الاثنين أو لاحقاً، ستُظهر أن فوز رجب طيب أردوغان كان محسوماً حتى قبل عملية الفرز هذه، وأن تَغلُّبه على كلٍّ من أكْمل الدين إحسان أوغلو وصلاح الدين دميرطاش كان "تحصيل حاصل"، إذ إنه بقي في الحكم أكثر من عشرة أعوام، وهو ذهب إلى هذه المعركة المصيرية فعلاً ببرنامجِ أنّ هوية تركيا الجديدة، التي جرَّبت النظام العلماني زهاء ستة وتسعين عاماً، هي الهوية الإسلامية.

Ad

لقد بقي أكْمل الدين إحسان أوغلو حتى اللحظة الأخيرة يعتقد، مخالفاً للكثير من حقائق الأمور على أرض الواقع، أن الفوز سيكون إلى جانبه، وذلك لأنه أولاً: يمثل شريحة معقولة من الإسلاميين على رأسهم الداعية فتح الله غولن، الذي يقال إنه صاحب فضل بروز هذه الظاهرة "الأردوغانية" التي غيرت مسار تركيا ما بعد الخلافة العثمانية، والذي اختلف مؤخراً مع رجب طيب أردوغان وتحول تحالفهما السابق إلى عداوة أكثر من لدودة.

وثانياً: أنه، أي أكْمل الدين إحسان أوغلو، اجتذب بالإضافة إلى بعض الأحزاب الإسلامية أصوات قطاع من المحافظين، ولاسيما المنضوين في حزب السعادة... ومن هنا وحتى تُظهر صناديق الاقتراع الحقائق التي ينتظرها الشعب التركي، ومعه العرب والمسلمون والعالم بأسره، فإن السؤال الذي سيبقى متداولاً ومطروحاً هو: لمن أعطى الأكراد، الذين يشكلون العامل المرجح في هذه الانتخابات، أصواتهم من بين هؤلاء المرشحين الثلاثة؟ مع أن المفترض أنهم أعطوها لمرشح حزب الشعب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش لأن معظم أعضاء هذا الحزب من الأقلية الكردية.

في كل الأحوال، هناك بيت للشاعر العظيم طرفة بن العبد يقول:

ستُبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار منْ لمْ تزوِّدِ

فالحقيقة ستقولها صناديق الاقتراع في صبيحة هذا اليوم (الاثنين) أو بعد ذلك، ويبقى علينا أن نتساءل، إذا كان الفائز رجب طيب أردوغان... والواضح أنه سيكون هو الفائز، هل سيُطلّ رئيس تركيا الجديد، على العرب تحديداً، بنفس الجلباب الذي أطل عليهم به عندما كان رئيساً للوزراء وهو جلباب "الإخوان المسلمين"؟ أم أنه سيطل عليهم كحامل للهوية التركية الجديدة التي هي الهوية الإسلامية الواسعة والفضفاضة، والتي تتطلب أن يضع هذا الرجل، بعد أن غادر موقع رئيس الحكومة وأصبح رئيساً للدولة، نفسه على مسافة واحدة من جميع الدول العربية بدون أي تحيز، لا إلى "الإخوان" ولا إلى غيرهم.

إنه سيكون عبئاً ثقيلاً على تركيا، إنْ سياسياً وإن اقتصادياً، أن تُحْشر، وهي تستعد للانطلاق إلى عمقها العربي وفي مقدمته مصر والمملكة العربية السعودية بعدما انتظرت طويلاً وبلا أي جدوى الانضمام إلى الغرب الأوروبي، في جلباب حزب سياسي شمولي هو حزب جماعة الإخوان المسلمين الذي كانت تجربته القصيرة في الحكم تجربة فاشلة ومقيتة، والذي خسر الكثير من شعبيته في أرض الكنانة وفي العديد من الدول العربية الأخرى بعد هذه التجربة.