اعتقلت أكثر من مرة، كيف أبقت حياة السجن لك رمقاً أو قدرة على الكتابة؟
كانت الكتابة في السجون إحدى آليات مقاومة المعتقلين السياسيين لظروف الاعتقال. بعد هزيمة يونيو 1967، انفجرت الحركة الطلابية الأولى (1968)، احتجاجاً على الهزيمة ومطالبة بالتحقيق مع المسؤولين عنها، فاعتُقلت بتهمة التحريض على هذه التظاهرات والمشاركة فيها، وقضيت في المعتقل نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، من دون تحقيق أمام النيابة ومن دون توجيه أي اتهامات، في ظل سريان حالة الطوارئ، عندما تُوفي عبد الناصر وخلفه السادات ألغى حالة الطوارئ وأفرج عن المعتقلين.ما أبرز كتاباتك خلال فترة سجنك هذه؟ ثلاثة كتب: «مثقفون وعسكر»، «جنرالات بلا جنود» مجموعة من القصص القصيرة كتبتها في معتقل طرة ونشرتها في بداية السبعينيات، رواية ضمت شهادات ووثائق لخدمة تاريخ زماننا.من كان معك من المثقفين في السجن؟ غالي شكري، رؤوف نظمي وهو شاعر عامية كبير،د. صبري حافظ، الأبنودي، جمال الغيطاني، محمود عزمي وهو محلل سياسي كبير، الناقد سيد خميس وكان له دور في حياتنا داخل السجن .كيف سمحت لك إدارة السجن بالأوراق والأقلام وهي من الممنوعات؟ تقدمت بطلب من إدارة السجن للسماح لي بالتقدم لامتحان الثانوية العامة التي حصلت عليها بالفعل، وبعد الموافقة على طلبي أصبح من حقي طلب الأوراق والأقلام للاستعداد للامتحان، وكان يسمح لي بشراء ما أحتاج إليه على حسابي، وكنت بالطبع استخدمها في كتابة مقالات وتهريبها وإرسالها إلى مجلة {العمال} التي كان يشرف على القسم الثقافي فيها الكاتب المسرحي لينين الرملي.كيف كانت تتم عملية تهريب المقالات؟ مع الزوار إن أمكن من خلال تجنيد عساكر السجن بمقابل مادي. في الحقيقة، أننا كنا نبتكر وسائلنا للتحفيز على الإبداع كوسيلة للمقاومة.كيف تمكنتم من شحذ قوى المقاومة في السجن؟بعد غلق باب الزنزانة مساء كل يوم، كنا نعقد ندوات وبرامج ثقافية على مدى أربع ساعات، وكنا نطلب من أحدنا مثلا أن يتحدث عن قريته أو يقدم لنا محاضرة عن موضوع متخصص فيه، كذلك قدمنا ما يعرف بنادي السينما، إذ كان معنا من يتمتع بقوة ذاكرة استثنائية، تمكنه من إعادة تصوير الأفلام الأجنبية، كما شاهدها بالضبط، ويروي لنا المشاهد بتفاصيلها.كذلك كان معنا من يدرّس اللغات لزملائه المعتقلين، تماشياً مع ما كان يفعله أستاذنا د. عبد العظيم أنيس، وكان أستاذاً للرياضيات في الجامعة ويقدم محاضرات رفيعة المستوى لمن يهتم من المعتقلين. كذلك كان معنا ناقد أدبي يروي لنا رواية عالمية قرأها وأعجب بها، فضلاً عن ممارسة ألعاب كالشطرنج التي كنا نصنعها من لبابة العيش. متى كان آخر اعتقال وبأي اتهام؟ في سياق حملة اعتقالات 5 سبتمبر 1981 التي اعتقل فيها السادات كل من عارض كامب ديفيد، اعتُقلت مع نخبة من رموز مصر السياسية والثقافية واليمينية واليسارية ومن الأطياف والألوان كافة، جمعها السادات في لوحة عبثية واحدة في السجن، كان من بينها: الأستاذ هيكل،د. إسماعيل صبري عبدالله، د. فؤاد مرسي، وزير الري الأسبق عبد العظيم أبو العطا الذي توفي في السجن، الشوربجي نقيب المحامين، عبدالعظيم المغربي، حمدين صباحي، كمال أبو عيطة، فؤاد سراج الدين، عبد المحسن حمودة، عصمت سيف الدولة، أحمد ناصف، محمد عودة، وسمير تادرس، وبعد اغتيال السادات جاء مبارك وأفرج عن المعتقلين .ماذا تعني بقولك إن سجن السادات كان أرحم من سجن عبدالناصر؟كانت لنظام عبد الناصر مبررات للحفاظ على الدولة، وكان محل تأييد شعبي، وكنا نرى عبد الناصر زعيماً وطنياً معادياً للاستعمار والإمبريالية، لديه نزوع إلى العدل الاجتماعي وإن لم يكن ديمقراطياً، وكان تناقضنا معه ثانوياً، بينما تناقضنا مع السادات كان أساسياً لتحالفه مع الأعداء أميركا وإسرائيل، لكنه فعلاً، كان أكثر انفتاحاً من الناحية الديمقراطية من عبد الناصر. لذا بدا لنا الاعتقال أيام السادات أرحم من الاعتقال أيام عبد الناصر، وفي النهاية انتصرنا على سجنهما بأن نهلنا من آبار التحايل لنبقى ونحول دون هزيمة العقل وانكسار الروح...{أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجان باقي»، أشهر بيت شعر عرفه العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، كتبه شاعر السودان الكبير محمد الفيتوري، يستدعيه، دوماً، مبدعون جربوا ظلام الزنازين وقدموا تجارب إبداعية رغم القيود والقضبان.
توابل
السجن والإبداع (3): المشاغب صلاح عيسى: الكتابة إحدى آليات مقاومة ظروف الاعتقال
08-07-2014