تجربة نوادي القراءة ليست سهلة إذا تم تناولها بجدية والتزام من قبل أعضائها. الالتزام بالقراءة جهد يحتاج الى تدريب كبير ورغبة شديدة في المعرفة لا تقل عن التجربة الكتابية في الإخلاص، ولا تقل عنها في العناء والمتعة أيضا. وربما ذلك ما جعل أغلب المنتديات تفشل في إكمال تجربتها القرائية، ولجوئها إلى المحاضرات والأمسيات كبديل عنها.

Ad

كنت دائما أصر على تكريس ثقافة القراءة كسبيل أول ومهم في خلق جيل يمكنه بناء واقع مغاير في ظل هذه التطورات والتحديات الكبيرة التي أوجدت ثقافة أحادية عمياء بعيدة عن العالم الحديث. وأخرجت لنا شبابا متطرفا كنتاج لثقافتنا السابقة لا يمكننا أن ننكره أو نغض الطرف عنه. وامكانية العودة الى طريق التنوير قد تبدو صعبة لكنها ليست مستحيلة، وهي مهمة تقع علينا جميعا مؤسسة وأسرة وأفرادا أيضا.

قبل شهر تقريبا اتصلت بي الكاتبة الزميلة نجود الحساوي تطلب مني الحضور لمناقشة رواية الصهد في نادي روائع الأدب الذي تقوم عليه ومجموعة من القراء. وحين اعتذرت لعدم تواجدي في البلاد طلبت أن يكون اللقاء عن طريق أحد برامج الاتصال فوافقت. كانت المجموعة قد التزمت أن تنهي الرواية خلال الشهر، وطرح أي أسئلة ممكنة للنقاش. استمر اللقاء لأكثر من ساعة تقريبا وكان نقاشا جادا وجميلا لاحظت أن الجميع التزم بالقراءة. الأجمل أن الفريق يعمل دون ضجة إعلامية، واقتصر الحضور على أعضاء المجموعة الملتزمة بجدولها مستخدمة المكتبة العامة كمقر لهم، وهو اللقاء الثاني لي بعد لقاء مجموعة "قادمون" في إحدى المكتبات العامة أيضا. وذلك جهد للمكتبة العامة التي كادت تخلو من زوارها في ظل اعتماد الطالب والباحث أيضا على غيره في كتابة أبحاثه المدرسية والجامعية دون حاجة لعناء القراءة والبحث.

طرحت تجربة الزملاء في نادي القراءة لمقارنتها بتجارب مميزة هنا في العاصمة الكندية، وهي تجارب لا تختلف كثيرا عن التجربة في الكويت. يتشكل نادي القراءة من مجموعة القراء وبعض الكتاب، ويجمع بين أعضائه مختلف الأعمار يتبادلون خبرات نقدية وقرائية. يتفق نادي القراءة مع إحدى دور الكتب، وتقدم لها في بداية كل شهر اسم الكتاب الذي تنوي المجموعة قراءته، وعليها توفير عدد النسخ المطلوبة لأعضاء النادي خلال هذا الشهر. وتقوم المجموعة بمراسلة الكاتب والتواصل معه عن طريق وسيلة اتصال لمناقشته في الجزء الأول من القراءة، ثم يتم تبادل الآراء حول الكتاب من قبل بقية الأعضاء. واللقاء أيضا يتم في مكتبة عامة خصصت قاعاتها لاستقبال أكثر من نادي للقراءة وقاعة أخرى للسينما.

ربما العيب الوحيد لهذه النوادي هو الاحساس لدى بعض الأعضاء بأن الكتاب المتفق عليه قد لا يكون مناسبا أو متفقا مع ذائقة الجميع، ولذلك تتنوع أندية القراءة حسب توجهاتها الفكرية والأدبية. ويستمر النادي الذي يرى أعضاؤه أنهم يمتلكون ذات التوجه الفكري. أندية القراءة هي العصب الأهم في تشكيل الكاتب المستقبلي والناقد اذا ما تم الاهتمام به في سن مبكرة. ويمكن تكوين تلك الأندية في المدارس والجامعات لنشر ثقافة القراءة في مجتمعاتنا التي تعاني قصورا مخيبا في حجم التأليف والنشر والترجمة. وحتى أكون منصفا أرى أن الجيل الحالي أفضل بكثير من جيلنا نوعيا، فهناك حركة نشر وترجمة وقراءة وعدد لا بأس به من المهتمين بمواجهة التطرف والغلو، والتأكيد أيضا أن أغلب الجهود ذاتية لا تنتمي للمؤسسة الغائبة للأسف.