فجر اليابان الجديد

نشر في 27-01-2014
آخر تحديث 27-01-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لسنوات عديدة، كان الخبراء يطلقون على اليابان وصف "أرض تغيب عنها الشمس"... فقالوا إن تحقيق النمو يصبح مستحيلاً في اقتصاد ناضج كاقتصاد اليابان، وقالوا إن ديوننا العامة غير قابلة للاستدامة، وأشاروا إلى روح الاستسلام التي تمكنت منّا، حسبما يفترضون، كَعَرَض من أعراض الانحدار النسبي.

لكن نادراً ما نسمع مثل هذه الأصوات الآن، فقد تحول الاقتصاد من النمو السلبي إلى الإيجابي وأصبح الآن على وشك الإفلات من الانكماش المزمن، وهذا الربيع، سترتفع الأجور- وهو تطور طال انتظاره وسيؤدي إلى المزيد من الاستهلاك، كما تحسن موقفنا المالي بشكل مطرد، وأصبحت حكومتنا على المسار الصحيح لتعزيز الموارد المالية العامة.

ومع تحول الاقتصاد، أصبح شعب اليابان أكثر حيوية وتفاؤلاً- وهو المزاج الذي تجلى في الحماس الشعبي لاختيار طوكيو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة عام 2020.

لذا فإن ما نشهده اليوم ليس شفق المغيب، بل إنه فجر جديد يبزغ في سماء اليابان، وهذا لأننا نجحنا في التغلب على فكرة استحالة تنفيذ بعض الإصلاحات، وقد أكَّدت استعدادي للعمل كمثقاب حفر قوي بالدرجة الكافية لاختراق الصخور الصلبة المتمثلة بالمصالح الخاصة... وقد فعلنا ذلك.

على سبيل المثال، سنحرر سوق الكهرباء في اليابان بالكامل، وبحلول وقت وصول الرياضيين الأولمبيين بعد ستة أعوام، فإن قطاع الطاقة سيكون قادراً على المنافسة تماماً، مع فصل توليد الكهرباء عن عملية التوزيع.

وستعمل أيضاً على تعزيز الرعاية الطبية كصناعة، فقد أصبحت اليابان في طليعة الطب التجديدي، وسنجعل من الممكن توليد الخلايا الجذعية في مختبرات القطاع الخاص، وقد اقترحت للتو إصلاحات إضافية، لأننا نحتاج أيضاً إلى مؤسسات قادرة على تقديم الرعاية الصحية على نطاق كبير في هيئة شركات قابضة، على غرار "مايو كلينيك" في أميركا. ونحن نعمل فضلاً عن ذلك على إلغاء نظام "تقويم إنتاج الأرز"، الذي ظل قائماً لأكثر من أربعين عاماً، وسنزيل أيضاً الحواجز التي تحول دون دخول شركات القطاع الخاص إلى القطاع الزراعي، وسيُسمَح للمزارعين بزراعة المحاصيل التي يريدونها من دون فرض سيطرة رسمية على العرض والطلب.

وقريباً، ستنطلق حزمة إلغاء القواعد التنظيمية، وعلى مدى العامين المقبلين، لن تظل المصالح الخاصة منيعة في مناطق محددة. على سبيل المثال، في المدن اليابانية التي تطمح إلى اكتساب مكانة عالمية، ستصبح القيود المفروضة على المساحات شيئاً من الماض، وقريباً سنشهد ظهور مدن تتسم بالمساكن والمجمعات التجارية العالية الجودة وانعدام الانبعاثات الكربونية تماماً.

وعلى نحو مماثل، فإن الشراكة عبر المحيط الهادئ ستظل ركناً أساسياً من أركان سياساتي الاقتصادية، وسنمضي قدماً في تفعيل اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين اليابان والاتحاد الأوروبي، ونتيجة لهذا فإن اقتصاد اليابان سيصبح أعمق اندماجاً في التدفقات العالمية من المعرفة والتجارة والاستثمار، وستكتشف الشركات والناس من الخارج أن اليابان من بين أكثر الأماكن ملاءمة لإنشاء الأعمال التجارية على مستوى العالم.

وستخضع إدارة اليابان للأموال العامة- مثل صناديق استثمار التقاعد الحكومية، التي تحتوي الآن نحو 1.2 تريليون دولار أميركي- لتغيرات بعيدة المدى، وسنمضي قدماً في الإصلاحات، بما في ذلك مراجعة حافظة صناديق استثمار التقاعد الحكومية، من أجل ضمان إسهام الأموال العامة في الاستثمارات الداعمة للنمو.

ينبغي لنا أيضاً أن نجعل الضرائب على الشركات قادرة على المنافسة دولية، وفي شهر أبريل سينخفض معدل الضريبة على الشركات بنحو 2.4 نقطة مئوية، وسنقدم حوافز ضريبية تهدف إلى تشجيع الشركات على استخدام أموالها في استثمار رأس المال، والبحوث والاستثمارات، وزيادة الأجور.

وسنعمل في الوقت نفسه على إصلاح قواعد سوق العمل التي تربط العمال بالصناعات القديمة. إن الصناعات الجديدة تتطلب موارد بشرية مبدعة وخلاقة، وسنعيد توجيه إعانات الدعم بحيث يصبح بوسع العاملين الذين يفتقرون إلى فرص عمل مجزية في الصناعات المتدهورة الانتقال، والبحث عن وظائف مجزية في القطاعات الصاعدة.

بطبيعة الحال، سيطرح المستثمرون سؤالاً واضحاً في ضوء الشيخوخة السكانية السريعة وتناقص عدد المواليد: "أين قد تجد اليابان الموارد البشرية المبدعة والخلاقة التي تحتاج إليها؟".

ذات يوم قالت أريانا هافينغتون ساخرة: "لو كانت شركة الإخوة ليمان تحمل اسم الإخوة والأخوات ليمان فإنها كانت ستتمكن من البقاء"، والواقع أن ثقافة الشركات في اليابان أكثر ذكورية مقارنة بالولايات المتحدة- عالَم تقليدي شديد المحافظة.

عندما أخبرتني هيلاري كلينتون أن الناتج المحلي الإجمالي الياباني من الممكن أن يصبح أكبر حجماً بنحو 16% إذا شاركت المرأة في سوق العمل بنفس معدل الرجال، تشجعت كثيراً. والواقع أن قوة العمل النسائية في اليابان تُعَد المورد الأقل استغلالاً في الاقتصاد.

لابد أن تصبح اليابان مكاناً تتألق فيه المرأة، ونحن نريد أن تحتل المرأة 30% من المناصب الإدارية القيادية بحلول عام 2020، وهو الهدف الذي يستلزم تحقيقه وجود بيئة عمل أكثر مرونة، ودعم هذه البيئة بالعمال الأجانب لتولي الخدمات المنزلية والشخصية.

وسوف تشكل الإصلاحات القانونية التي ستُطرَح في إطار الدورة البرلمانية المقبلة زخماً قوياً للتغيير، وتهدف هذه الإصلاحات إلى زيادة عدد المديرين من الخارج في مجالس إدارة الشركات. وفي الشهر المقبل، سنقترح أيضاً قانوناً للإشراف يعمل على تمكين المستثمرين المؤسسيين من الاضطلاع بدور أكبر في إدارة الشركات.

وأنا على يقين من أن التأثير المجمع لهذه الإصلاحات من شأنه أن يمكن اليابان من مضاعفة حجم الاستثمار المباشر الأجنبي بحلول عام 2020، وأن يعيد تشغيل البلاد بالكامل ويغير مشهدها الاقتصادي بشكل جذري.

لكن لا يزال الكثير من العمل مطلوباً، فقريباً تحين الذكرى الثالثة لكارثة الزلزال والتسونامي التي ضربت شمال شرق اليابان في الحادي عشر من مارس 2011، والتي تسببت في تعطل محطة "دياتشي" لتوليد الطاقة النووية في فوكوشيما، ورغم أن التعافي الكامل لا يزال بعيداً، فإن ما تجلى من حب ومودة في الاستجابات العالمية لتلك الكارثة مس شغاف قلوبنا، ولم تكن روح المثابرة والتعاون التي تحلى بها الناجون في التغلب على المصاعب أقل إبهاراً.

وبنفس الروح أصحبت اليابان الآن جاهزة للمساهمة بشكل أكثر إيجابية في السلام العالمي والتنمية، ففي عصرنا هذا، لا تستطيع أي دولة أن تحافظ على السلام بمفردها، ولا يستطيع أي منّا أن يتصدى بمفرده للتحديات التي يواجهها العالم، بل ينبغي لنا جميعاً أن نساعد بعضنا بعضاً.

في كمبوديا على سبيل المثال، ساعد المستشفى الذي أقامه اليابان هناك للأمهات والأطفال حديثي الولادة في تقليص معدل الوفيات بين الرضع في البلاد، وفي الفلبين، بذلت قوات الدفاع عن الذات اليابانية جهوداً كبرى للإغاثة بعد الإعصار المدمر الذي ضرب البلاد في نوفمبر، ولا تزال قواتنا من الرجال والنساء في جيبوتي في حالة تأهب قصوى في مواجهة القرصنة وحماية السفن من أنحاء العالم المختلفة.

إن اليابان محاطة بدول مجاورة تتمتع بإمكانات غير محدودة: الصين وكوريا الجنوبية، وبلدان منظمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والهند وروسيا، وعبر المحيط الهادئ البلدان الشريكة في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. والواقع أنه مع تحول آسيا إلى المحرك الذي يدفع الاقتصاد العالمي، فإن الحاجة إلى إحلال السلام الدائم والرخاء باتت أعظم من أي وقت مضى، وذلك لأن التأثير العالمي المترتب على أي تهديد للاستقرار الإقليمي سيكون هائلاً.

الواقع أن حرية انتقال البشر والسلع تشكل الأساس الذي يقوم عليه الرخاء، وفي الممرات البحرية والمجالات الجوية، حتى الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني، لابد أن تظل حرية التنقل مكفولة. ويتلخص السبيل الوحيد للحفاظ على هذه المنافع العامة التي لا غنى عنها في التمسك الصارم بسيادة القانون وإعلاء القيم الأساسية مثل الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

ولا يوجد بديل الآن، فلا يجوز لنا أن نهدر عوائد النمو في آسيا على الإنفاق العسكري، بل يتعين علينا أن نستخدمها للاستثمار في الإبداع ورأس المالي البشري، وهو ما من شأنه أن يعزز النمو في المنطقة. وكما هي الحال في أي مكان آخر فإن الثقة بين البلدان الآسيوية تشكل أهمية بالغة لترسيخ السلام والرخاء، ولن يتحقق هذا إلا من خلال الحوار والالتزام بالقانون الدولي، وليس بالقوة أو الترهيب.

ومن أجل خلق منطقة من الثقة والنظام فأود أن أناشد آسيا والعالم منع التوسع العسكري بلا ضابط أو رابط في آسيا، ولتحقيق هذه الغاية فلابد أن تكون ميزانيات الدفاع شفافة بالكامل وخاضعة للتدقيق العام. ويتعين على الحكومات الآسيوية فضلاً عن ذلك أن تعمل على إنشاء آليات إدارة الأزمات وقنوات التواصل القوية بين قواتنا المسلحة. ويتعين علينا أيضاً أن نعمل على تأسيس القواعد التي تشجع السلوك القائم على القانون البحري الدولي.

آنئذ فقط سنتمكن من تحقيق النمو الدائم والرخاء في آسيا، وهو ما من شأنه أن يمكننا جميعاً من تحقيق إمكاناتنا الكبيرة في المنطقة.

لقد تعهدت اليابان بأنها لن تشن حرباً أخرى أبداً، ونحن لم نكف قط عن العمل من أجل عالم يعيش في سلام، وإنني ليحدوني أمل شديد في أن يساعد الانتعاش الاقتصادي في اليابان، بما يحمله ذلك من وعود بزيادة الرخاء الإقليمي والعالمي، في جعل مثل هذا العالم أقرب منالاً.

شينزو آبي | Shinzō Abe

* رئيس وزراء اليابان.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top