أبدت بعض جمعيات النفع العام خشيتها من عزم وزارة الشؤون الاجتماعية إنشاء مجلس أعلى لمنظمات المجتمع المدني، ومن تكرار المحاولات السابقة لتقييد عمل الجمعيات الأهلية بذرائع مختلفة.

Ad

وأجمعت مواقف ممثلي الجمعيات على رفض أي صيغة ظاهرها تنظيم العمل الأهلي، وجوهرها تقييد الحريات، ووصف ممثلو الجمعيات الخطوة بأنها «مصيبة» وخطوة للوراء لن نقبل بها، وأنها مقبولة فقط إذا كان الهدف منها دعم الجمعيات.

«مصيبة» وخطوة للوراء

اعتبر رئيس جمعية المحامين الكويتية وسمي الوسمي أن «عزم وزارة الشؤون الاجتماعية إنشاء مجلس أعلى لمنظمات المجتمع المدني «مصيبة» وخطوة للوراء وتقييد للحريات».

وأكد الوسمي في تصريح خاص لـ«الجريدة» أن المراقب الحقيقي لجمعيات النفع العام هو جمعياتها العمومية، التي تقيم أداءها، إما بإعطائها الثقة أو بالتغيير من خلال سحب الثقة، وهذه هي الديمقراطية التي جُبلنا عليها، مشدداً على أن جمعيات النفع العام منتخبة وليست معينة.

ورفص أن تكون هناك رقابة على عمل جمعيات النفع العام، إلا من خلال القانون، مشيراً إلى أنه إذا ثبتت مخالفة أي من هذه الجمعيات فيجب أن ينفذ القانون ضدها فوراً، لافتاً إلى أن إنفاذ القانون هو من مهام وزارة الشؤون، التي تراقب عمل جمعيات النفع العام.

وأضاف الوسمي أن الوثيقة التي قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بإرسالها إلى جمعيات النفع العام مليئة بـ»التناقضات العجيبة»، فبينما بدأت بأن النظام الأساسي هو الدستور نجدها تنتهي بأن ما يسمى بالمجلس الأعلى أو اللجنة المشتركة لها الحق في الرقابة على أعمال هذه الجمعيات.

 ولفت إلى أن هناك تناقضاً واضحاً في الوثيقة حين أشارت إلى أن القانون 24/1962 يعطي الصلاحيات لوزارة الشؤون الاجتماعية بأن تراقب أعمال جمعيات النفع العام حسب نظامها الأساسي، فلماذا إذن الحاجة إلى وجود مثل هذا المجلس أو اللجنة؟، مؤكداً أن وزارة الشؤون الاجتماعية تملك حق مراقبة جمعيات النفع العام، فلماذا تهدد وتلوح بأنها تملك حق مراقبة هذه الجمعيات.

«الخريجين»

من جهته، اعتبر نائب رئيس جمعية الخريجين، إبراهيم المليفي، أن هذه المحاولات ليست جديدة، بل سلسلة متواصلة من المحاولات وبأشكال مختلفة، لكنها متفقة في الجوهر.

وأضاف المليفي أن المجتمع المدني يفقد صفته إذا ما قيدته الإجراءات الحكومية، لذا فجمعية الخريجين ترفض هذا التصور رفضاً تاماً، وتدعو الجهات المعنية في السلطة التنفيذية الى رفع وصايتها عن المجتمع المدني بالكامل، بما ينسجم والأعراف الديمقراطية وما يكفله الدستور الكويتي من حريات.

وقال إن من المؤسف حقاً أننا بعد أكثر من نصف قرن على إقرار الدستور، تأتي الحكومة - ممثلة بوزارة الشؤون - لتقلص مساحة الحرية التي يعمل في إطارها المجتمع المدني! كما أكد ضرورة التفريق بين ضبط العمل الخيري الذي يعد ضرورة طالما دعت لها جمعية الخريجين وتجاهلتها الحكومات المتتالية، وبين عمل جمعيات النفع العام وبقية مؤسسات المجتمع المدني التي هي بحاجة إلى مزيد من مساحة الحرية في العمل.

وأوضح أن فكرة إنشاء المجلس الأعلى متناقضة في أهدافها، فهي في الوقت الذي تعمل «لتعميق مشاركة المجتمع المدني وتوسيع دورها التنموي والمشاركة في القرار الحكومي»، تنص أيضاً على أن هدف المجلس الرئيسي «الحد من انحراف مؤسسات المجتمع المدني وتدخلاتها في السياسة»، متسائلاً: كيف نوسع دورنا التنموي ونشارك في القرار الحكومي، ولا «نتدخل» في السياسة؟

كما ذكّر المليفي بالمحاولات السابقة التي بدأت بفكرة «الهيئة العامة للرقابة على المجتمع المدني» التي ناقشها المجلس الأعلى للتنمية والتخطيط في العام 2007، ومحاولة إحدى جمعيات النفع العام إنشاء ما أسمته باتحاد جميات النفع العام، وكذلك محاولة تغيير قانون 24 /1964 الذي دفع به النائب السابق ناجي العبدالهادي، علاوة على محاولات عدد من وزراء الشؤون إيجاد صيغ مختلفة لخلق أطر تشمل جمعيات النفع العام بحجة تنظيم عملها والتنسيق في ما بينها، بينما هي في الحقيقة تقييد غير مبرر لعمل هذه الجمعيات.

وأكد أن جمعية الخريجين ثابتة عند موقفها من توسيع مساحة حرية عمل مؤسسات المجتمع المدني، وتغيير قانون الجمعيات بما يخدم هذا التوجه، رافضاً أي «صيغة قد يبدو ظاهرها التنظيم، لكنها في النهاية تخدم فكرة تقييد حرياتنا».

رابطة الأدباء

من جانبه، أكد عضو مجلس إدارة رابطة الأدباء الكويتيين صالح المسباح، أنه ربما يكون هذا القرار سلباً أو إيجاباً، فإذا كان القصد من إنشاء مجلس أعلى لمراقبة جمعيات النفع العام للحد من الانحرافات رغم أنها نادرة في هذه الهيئات والجمعيات، لأنها تعرف حدودها ومن يقوم بعملها أناس منتخبون من الشعب ومن الطبقة العليا، فلا بأس»، موضحاً أن «هناك جمعيات تعاني ركوداً رغم أنها مرخصة وهيئة اعتبارية، لكن لا دور يذكر لها في المجتمع، وبالتالي هذه الهيئة تحتاج إلى إشراف وتقييم». وأضاف «إذا كان وجود المجلس الأعلى للإشراف من الناحية التقييمية، ويوصي بأن هذه الجمعيات بحاجة إلى الدعم والمساندة، فهو مرحب به، خصوصاً أننا في رابطة الأدباء نقيم أنشطة أسبوعية، وهناك وجود يومي والميزانية لم تتغير منذ عام 1965، علماً بأن الأمور المالية والأجور تضاعفت، وعدد الأعضاء كان في السابق 30 أو 40 عضواً، بينما عددهم حالياً 220 عضواً»، لافتاً إلى أن هذه الأمور تتطلب زيادة الأنشطة والبرامج والفعاليات، في حين الميزانية الحالية بالكاد تكفي الرواتب، فكيف نصرف على هذه البرامج إذا كانت الميزانية ثابتة».

وقال المسباح إن «الرقابة على الرابطة موجودة حالياً من قبل وزارة الشؤون، لأن اجتماعاتنا ترسل شهرياً إلى الوزارة، وهذه الاجتماعات معتمدة من الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، ولدينا مجلة البيان ترسل أيضاً إلى وزارة الشؤون وهي تطبع في وزارة الإعلام»، مبيناً أن «هناك جمعيات ربما تمر بفترة ركود وتحتاج إلى تقييم، لكن لدينا في الرابطة لا نحتاج».

 وذكر «إن كان وجود مجلس أعلى لمراقبة جمعيات النفع العام للمصلحة العامة ورفع مستوى الأنشطة ودعمها وتجديد المبنى فنحن نرحب به، لكن أن يكون الأمر مجرد تقييد فقط ومنع فبالتأكيد غير مرحب به».

وتابع «إن هذه الخطوة سلاح ذو حدين، فإذا كانت مفيدة لدعم الأنشطة فستلقى الترحيب، وإذا كانت غير ذلك فهي أساساً موجودة، فكثير من الجمعيات ترسل اجتماعاتها الشهرية إلى وزارة الشؤون،

وإن لم يكن هناك اجتماعات فستحاسب من قبل الوزارة، لاسيما أنه يجب أن يعقد من 10 إلى 12 اجتماعاً بالسنة لتلك الجمعيات».

منع الفوضى

بدوره، قال نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر أنور الحساوي، إننا «نرحب بهذا القرار إذا كان الهدف منه منع الفوضى التي ربما تخلقها بعض الجمعيات»، مؤكداً أننا «كجمعية تعنى بالأعمال الإنسانية والاجتماعية، لا نتدخل في الأمور السياسية، خصوصاً أن عملنا خيري وجمعية مستقلة تتبع الاتحاد والصليب الأحمر الدوليين، وتهدف إلى مساعدة الناس والشعوب بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك».

وأضاف ان «كل قضية لها قانون وفق أسس وضوابط محددة مرحب بها، أما الفوضى فغير مرحب بها»، مشيراً إلى أن «كل جمعية يفترض فيها العمل على أساس الأهداف التي أنشئت من أجلها، لذا فنحن نرحب بهذا القرار الذي يحد من التدخل في القضايا السياسية التي لا علاقة لها بأهداف بعض تلك الجمعيات».