يقتل القتيل ويمشي بجنازته
![د. أسيل العوضي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1646677413853007800/1646677426000/1280x960.jpg)
كثير من القوانين لاسيما تلك المكبلة للحريات تشرع كردود أفعال تجاه مواقف أو حوادث فردية، فتسود روح الانتقام والرغبة الجانحة لتكميم الأفواه لتسيطر على عقلية المشرع. وفي تلك الحالات يتناسى المشرع أن ما ينتجه من تشريع يؤسس لقواعد عامة تطبق على الجميع وتطال كل من يخالفها. وتتفاقم المشكلة عندما يمتلك المشرع عقلية تسلطية، تلك العقلية التي تعتقد أنها وحدها تمتلك الحقيقة وأن من يختلفون معها فكرياً هم فئات ضالة لا تستحق نفس الحقوق في التعبير وحرية الفكر. فالرأي المخالف هو بالضرورة رأي خاطئ لابد أن يحجر عليه ويسلب صاحبه حق التعبير حماية للآخرين من التضليل.تلك العقلية أنتجت لنا الرقابة المسبقة على الكتب ومنعها، وتصنيف الكتاب والمفكرين ومنع بعضهم من دخول البلاد، وأحكاماً بالسجن لمن عبر عن معتقداته الدينية أو السياسية، وقانون إعدام المسيء، واستجوابات تطالب الحكومة بإغلاق القنوات أو الصحف ذات التوجه المخالف، إلى آخره من تجاوزات على حرية التعبير المكفولة دستورياً.أضف إلى ذلك مشكلة أخرى، وهي أن البعض اعتاد في ممارسته للسياسة أن يستخدم معايير متناقضة للتقييم، فيجيز لنفسه ما لا يجيز لغيره ومعيار الصواب والخطأ يعتمد على الهوية لا على القضية. لذا نجد أمثال هؤلاء يستنكرون ويهددون في كل مرة يطالهم القانون أو يطال من يتفقون معهم سياسياً، ويصمتون ويباركون تطبيقه على خصومهم، بل لا يتورعون عن المطالبة بتطبيقه على من يخالفهم الرأي.المشكلة أن أصحاب تلك العقلية التسلطية لا يدركون أن موازين القوى متغيرة وليست ثابتة. فمن يمتلك السلطة والحظوة في زمن ما قد يفقد بريقه وينتقل إلى مواقع الأقلية ويصبح خارج دائرة صنع القرار. والنتيجة الحتمية لتبدل المواقع هي أن يكتوي هو بالنار التي ساهم في صنعها. لذلك لا يحق للنواب السابقين وتحديداً ممن صاغ وصادق على القوانين المكبلة للحريات، وكذلك الوسائل الإعلامية التي رعت وطبلت لمواقفهم، لا يحق لهم أن يتباكوا الآن عندما طبق القانون عليهم. فحالهم هي حال من قتل القتيل ومشى في جنازته، وعندها أصبحت "الحريات" موضة جديدة لدى من أشبعها انتهاكاً.