مغامرة الكتابة الجديدة

نشر في 07-05-2014
آخر تحديث 07-05-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي في حياتنا مواقف تستحضر خوفها، لحظة تأتي في كل مرة، ويتجدد خفق قلوبنا باضطراب مشاعرنا تجاهها. وبالنسبة إلي، فإن صدور عمل جديد، رواية كانت أو مجموعة قصصية، يُعدّ مصدر خوف! فأنا مقتنع أن أي إصدار جديد، هو مغامرة على مستوى الكتابة وعلى مستوى الحياة. مغامرة على مستوى الكتابة، لأنه لا يمكن لأي كاتب، مهما علا شأنه الإبداعي، أن يركن إلى نجاح أعماله السابقة، وبالتالي فإن الإصدار الجديد، يمكن أن يشكّل رصيداً إبداعياً إضافياً لافتاً الى سمعة ورصيد الكاتب، وقد يأتي بعيداً عن التوقع، متأخراً فنياً عما سبقه من الكتب، فيأكل من رصيد المؤلف، ويعود عليه بالخيبة والخذلان، وابتعاد الجمهور عنه.

والإصدار الجديد مغامرة على مستوى الحياة، لأن الكاتب يمضّي الأشهر والسنوات في سبيل الانتهاء من كتابة ديوان شعر أو رواية أو مجموعة قصصية، ولحظة ينتهي منه، قد يشعر، بحاسته النقدية، أنه جيد ويستحق الدفع به إلى المطبعة، أو أنه بائس ولن ينتهي إلا إلى سلة القمامة! وهكذا يكون قد أنفق أيام عمره هدراً دون مقابل!

الخوف من مواجهة جمهور القراء عبر الانكشاف على عوالم كتاب جديد، يتأتى من كون الكتابة كائنا متحركا ومتجددا، يتزيّن بألف لون ولون، وأن القارئ إنسان متغير المزاج والإدراك، بسبب من وعيه الذاتي، وظرفه الشخصي، ومحيطه الاجتماعي والاقتصادي والعسكري والثقافي، وبالتالي ما كان يعجبه بالأمس قد لا يطيق الاقتراب منه اليوم. لذا فإن الرهان على نجاح أي كتاب جديد، يركن إلى الاجتهاد في تجانس مجموعة من المكونات في مضمون الكتابة وشكها، وفق ما يلي:

أولاً: إن أحد أهم العناصر التي يجب توافرها في أي إصدار، هو أن يحمل بين جنباته نكهة إنسانية النزعة، تسلط ضوءاً على جوانب من تفكير الإنسان وسلوكه، في معيشة يومه العادي، وبما يضيف معرفة متجددة بحياة الإنسان.

ثانياً: تشكّل المتعة مدخلاً أساسياً في جرِّ القارئ للسير في دروب أي عمل روائي أو قصصي، وبقدر ما تكون هذه المتعة مدروسة ومحسوبة، جاءت صلتها بالقارئ أقوى.

ثالثاً: التشويق في أي عمل أدبي هو إلى جانب المتعة سحر يمسك بالقارئ، ويأخذه إلى عوالم النص الروائي أو القصصي، ويبقى ممسكاً به حتى يكمل قراءة العمل.

رابعاً: كتابة التجربة الإنسانية الخاصة للكاتب، بعد صبّها في قالب القضايا العامة، يجعل أي قارئ أمام قضية تخصّة، ومصير يتربض به.

خامساً: الشكل الروائي أو القصصي، هو الوعاء الذي يحتوي الفكرة، وكلما كان هذا الوعاء عصرياً لامعاً شفافاً، استطاع أن يقدم الفكرة بأحسن ما يمكن، وأن يغري القارئ بالاقتراب من العمل والخوض في قراءته.

سادساً: محاولاً تقليد الكاتب لأسلوب أو حكاية عمل آخر، لا يعني بالضرورة أن يصيب عمله نجاحاً كما هو عمل الآخر، لأن الكتابة وجه صاحبها وابتسامته.

سابعاً: الكاتب ضمير المجتمع، وبالتالي هو محاسب بأن يكون له موقف واضح وصادق تجاه القضايا الاجتماعية الدائرة، ومؤكد أن جمهور القراءة يطالبه بأن يكون إلى جانب الحق والعدل، وإلا فَقَدَ مصداقيته.

ثامناً: الكتابة شاهد تاريخي على اللحظة في أي مجتمع من المجتمعات، ولذا فالمطلوب من الكاتب امتلاك القدرة على أن تكون كتاباته على وصل بواقعه المحلي، أياً كانت درجة هذا الوصل.

تاسعاً: كل كاتب يعمل وفق قناعته، ووفق وعيه بفعل الكتابة، وهو إذ يجتهد لكتابة عمل إبداعي لافت، فإنه في لحظة الكتابة يكون منقاداً إلى لاوعيه، وهذا ينطقه بأشياء كثيرة ربما لم يقصد كتابتها، لكنها قد تكون الأجمل.

back to top