يحذر محافظ البنك المركزي وزير المالية سابقاً الشيخ سالم الصباح (الوطن عدد 26 يناير) من أن الكويت قد يصيبها المرض الهولندي. بمعنى أن تصاب الدولة الكويتية بمثل ما حدث لهولندا في بداية ستينيات القرن الماضي، بعد اكتشاف غاز ونفط الشمال فتواكلت على تصدير هذه السلعة الخام وأهملت التصنيع، وكان انتكاسة للاقتصاد. تصوير وضعنا بالمرض الهولندي فيه ظلم لهولندا وللمرض ذاته، فالفارق بين الكويت ودول الخليج معها لا يمكن مقارنته بهولندا التي كانت ومازالت في طليعة الدول المتقدمة، وأولى أن نسميه المرض الخليجي، إلا أن تحذير الشيخ سالم والأرقام المخيفة والسيناريوهات التي سطرها يجب أن تؤخذ بجدية، فعدد السكان في الكويت 3.9 ملايين نسمة، يشكل الكويتيون ما يقارب الثلث فقط… "وهذا يوصلنا إلى استنتاج بأن نسبة عدد السكان غير الكويتيين ستظل تدور حول 60-70% طالما بقيت أنماط ونزعات وسلوكيات المجتمع تدور على ما هي عليه" (من مقال الشيخ سالم)، من جديد يؤكد صاحب المقال خطورة العجز بسبب بند الرواتب والأجور والمزايا والاعتماد شبه الكامل على منتج وحيد... إلخ، وعجز القطاع الخاص عن مجاراة القطاع العام في المزايا الوظيفية، ما رتب توجه العمالة للعمل به، وبالتالي أصبح يوظف أكثر من 90% من نسبة العاملين الكويتيين، مقابل رقم هامشي للكويتيين الذين يعملون في القطاع الخاص، ويتوقع الشيخ سالم تنامي نسبة البطالة من الكويتيين لتصل إلى 25%، وقد تصبح مؤسسات التأمينات عاجزة عن سداد المعاشات، وأن الرواتب والأجور قد تتأخر عن الموظفين إذا استمرت الأحوال على حالها.

Ad

قبل مقال ومقالات الشيخ سالم، حذرت تقارير "الشال"، وكتابات جاسم السعدون العديدة من خطر القادم، لكن لا يبدو أن أحداً من أهل القرار يقرأ، وإن قرأوا فلن يستوعبوا، وإن استوعبوا فهم أضعف من أن يضعوا أقدامهم على طريق الإصلاح الاقتصادي والسياسي، ردود الفعل لـ"صحوة" السلطة على واقع الدولة المالي، اختلفت بين أهل اليمين واليسار في التركيز على قضايا معينة وإهمال غيرها، فأهل اليمين لا يرون حلاً بغير تغيير واقع بند الرواتب والأجور وسياسة المنح والعطايا، وتحجيم هيمنة القطاع العام على اقتصاد الدولة، بينما أهل اليسار يرون أن بداية الإصلاح لا تكون بغير بتر امتيازات الكبار وفرض الضريبة التصاعدية على أصحاب الدخول العالية من شركات ومؤسسات مالية تحلب الدولة، ولا تعطي شيئاً في المقابل، ولا توظف أهل الديرة في الأغلب، ومقال الزميل د. بدر الديحاني في "الجريدة" أمس يعد مثالاً لذلك.

لا توجد حلول سحرية، ولا يمكن رفض كل حلول اليمين وكل حلول اليسار، القدر المتيقن المعترف به هو واقعنا الريعي المريض، مريض بمعنى أن نجلس على الكراسي وننتظر "ريع النفط"، بمثل ما ينتظر صاحب العمارة أجرة السكن من المستأجرين دون عمل ولا إنتاج، هذا مرض بدأ من الأعلى ونزل للأسفل، السلطة عممت الفساد والتواكل والاعتماد على عمل الغير، ووزعت "الريع" كل حسب قربه منها، بالدرجة الأولى وحسب الجنسية، لا بحسب العمل بالدرجة الثانية، وتم تشجيع المجتمع على هذا النمط الاستهلاكي الريعي، حتى ينسى الناس بؤسهم السياسي والفساد المقنن عند كبارهم، ولم تبد السلطة اهتماماً بنوعية التعليم باعتبار أنه أهم مفاتيح المستقبل للدولة، ولم تكترث بالاستثمار في الإنسان المنتج، وفضلت استثمار الولاءات الشخصية لها وشراء المواقف السياسية. ولا فائدة الآن من كل هذا الحديث المعاد، وكل الكلام عن الإصلاح الاقتصادي لن يكون مجدياً من غير إصلاح سياسي، وجماعة السلطة ليسوا مستعدين لسماع مثل هذا الكلام، فهذا "سيفوه وهذه خلاجينه".