ثلاث أزمات، رئيس واحد، والكثير من الأصدقاء الحائرين.

Ad

وقعت الأزمة الأولى، التي قلّما لاحظناها، مع ابتعاد أوكرانيا المفاجئ عن أوروبا وعودتها إلى أحضان روسيا.

بعد سنوات من التفاوض بشأن اتفاق تجارة مهم مع الاتحاد الأوروبي، استسلمت أوكرانيا للتهديدات الاقتصادية الحادة والعنيفة التي اعتادت روسيا توجيهها إليها، وقررت الابتعاد فجأة. بدأت أوكرانيا تفكر، بدلا من ذلك، في الانضمام، مع روسيا البيضاء وكازاخستان الخاضعتين لنظام حكم مستبد، إلى الاتحاد الجمركي الذي تقوده روسيا.

لا تُعتبر هذه مسألة تافهة، فلا تشكل أوكرانيا الاقتصاد الأوروبي الأكبر فحسب، بل أيضا العنصر الرئيس في حلم فلاديمير بوتين بنهوض الإمبراطورية الروسية المتجددة لتهيمن على الجوار وتدحر تقدم "أوروبا الحرة والكاملة" الذي استغرق ربع قرن، والذي عززه انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة.

ولكن ماذا كان رد الولايات المتحدة؟ جاء ردها محدوداً جداً. فكما حدث مع "الثورة الخضراء" التي سحقتها إيران بقسوة عام 2009، لم تلقَ أصوات مئات آلاف المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع لمنع هذه الخيانة لاستقلال أوكرانيا آذانا صاغية في واشنطن. ألا تستطيع هذه الإدارة دعم مَن يسعون إلى مستقبل ديمقراطي شفهياً حتى، كما فعلنا خلال ثورة أوكرانيا البرتقالية عام 2004؟

جاء في أحد عناوين "واشنطن بوست" على شبكة الإنترنت: "تتبنى الولايات المتحدة مقاربة حذرة من التظاهرات الأوكرانية، مبقية روسيا في ذهنها". فيجب ألا نهين بوتين. ومن الضروري ألا نعرض للخطر عملية "إعادة الضبط" القيّمة، في رأي أوباما، علماً أن هذه مجرد خدعة لم تؤد إلى أي نتيجة غير زعزعة ثقة تطلبت منّا جهداً كبيراً بين حلفائنا، مثل بولندا والجمهورية التشيكية اللتين تخلينا عنهما بقسوة في محاولة عقيمة لاسترضاء روسيا بشأن منظومة الدفاع الصاروخية.

لمَ لا نزايد على بوتين؟ نحتاج إلى رزمة تتراوح بين 10 مليارات و15 مليار دولار من اقتصادات غربية يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 30 تريليون دولار لتغيير التوازن الاستراتيجي بين قارة أوروبية حرة ودولة روسية مستبدة وعنيفة، فضلاً عن منع نظام حكم روسي يقوم على السرقة يفتقر إلى الملاءة الضرورية، ويعتمد على النفط والغاز، من ابتزاز دول أخرى للهيمنة على المنطقة.

حدثت الأزمة الثاني في الشرق الأوسط، مع انهيار ثقة الحلفاء في الولايات المتحدة نتيجة تقرب هذه الأخيرة من إيران.

صُعقت الدول العربية في الخليج عند تعرضها لإهمال مزدوج، ففي المفاوضات النووية مع إيران، أطاحت الولايات المتحدة بسبع سنوات من قرارات مجلس الأمن التي تحظر تخصيب اليورانيوم، وأقرت فعلياً بإيران كدولة على عتبة تحقيق قدرة نووية. وأتى كل ذلك عقب تخلينا شبه الكامل عن الثورة السورية واعترافنا الفعلي بدول "الهلال الشيعي" التابعة لإيران ونظام الأسد والممتدة حتى البحر الأبيض المتوسط.

أعرب الإسرائيليون عن استهجان واستغراب مماثلين بعد أن وجدوا أنفسهم مقيدين باتفاق لا يسعى إلى وقف برنامج إيران النووي بقدر ما يهدف إلى منع القوات الجوية الإسرائيلية من عرقلة هذا البرنامج.

لا يستطيع العرب والإسرائيليون فهم سذاجة أوباما التي تجلت من خلال تخيله شراكة استراتيجية مع نظام يعتبر هدفَه الأول تقويض نفوذ الولايات المتحدة وطردها من المنطقة.

لكن مَن يبررون خطوات أوباما هذه يدعون أن الدبلوماسية أفضل من الحرب، إلا أن هذا رد فعل طفولي يلمح إلى أن كل الطرق الدبلوماسية متشابهة، كما لو أن دبلوماسية الاستسلام لا تختلف عن دبلوماسية الضغط. ما الحل، إذاً؟ يجب ممارسة الضغوط، فعلى الكونغرس أن يمرر في الحال عقوبات جزائية جديدة تُطبق بعد مرور ستة أشهر (عندما ينتهي هذا الاتفاق المؤقت، حسبما يُفترض)، في حال لم يلتزم الإيرانيون بالاتفاق ورفضوا التفاوض بشأن اتفاق نهائي يفكك برنامجهم النووي العسكري بالكامل.

أما الأزمة الثالثة، فحدثت في بحر الصين الشرقي، حيث تحدت الصين علانية "استدارة" أوباما نحو آسيا، معلنة بكل جرأة توسيع مجالها الجوي في مياه تدَّعي اليابان وكوريا الجنوبية أنها تابعة لهما.

كان رد أوباما الأول (إرسال طائرات ب-52 عبر هذا المجال الجوي من دون إخطار الصينيين) سريعاً وحازماً، وحذت اليابان وكوريا الجنوبية حذوه، ولكن عندما طلبت اليابان من طائراتها المدنية عدم الالتزام بمطالب الصين بالتعريف عن نفسها، أمرت وزارة الخارجية الأميركية (وإدارة الطيران الفدرالية) الطائرات الأميركية بالرضوخ لها، ما أوقع اليابانيين في مأزق. لكن هذا الوضع ازداد سوءاً، فخلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الصين، تراجعت الإدارة الأميركية، فبدل أن نصر على سحب الصين ادعاءاتها المشينة، اكتفينا بحضها على عدم تطبيق هذه المطالب.

وهكذا صدمنا حلفاءنا مرة أخرى، فلا يحتاج هؤلاء الحلفاء إلى وسيط، بل إلى حليف، وها هي الولايات المتحدة تتجاهل حلفاءها في سعيها إلى استرضاء خصم مشترك. كان يجب أن نعلن أن ادعاءات الصين باطلة، طالبين من طائراتنا المدنية أن تحذو حذو الطائرات اليابانية، ومزودين إياها بمرافقة عسكرية مشتركة إذا دعت الحاجة.

لا تشكل هذه الخطوة عملاً استفزازياً، بل تأكيداً على أن أي دولة تحاول بمفردها قلب الوضع القائم ستواجه رداً جازماً، موحداً، ومتعدد الأطراف من الغرب تقوده الولايات المتحدة من الأمام.

لا أحد يطلب من أوباما التزاماً شبيهاً بتعهد جون كينيدي "بحمل أي عبء" بغية "ضمان انتصار الحرية"، أو تدمير الجدران، كما فعل ريغان، أو حتى تأكيد أن الولايات المتحدة دولة لا غنى عنها، على غرار الرئيس كلينتون. كل ما يطلبه حلفاء من الولايات المتحدة إعادة النظر في سياسة الانسحاب التي تسم ردود فعل هذه الإدارة تجاه تحديات الخطوط الحمراء في أنحاء العالم المختلفة، والتي تتركهم في مهب الريح.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer