الضغط الشعبي سيُجبر «المعارضة» على الخروج للساحات والميادين العامة، ولكن من حق الشعب، قبل الخروج للشارع، أن يعرف بشكل محدد وواضح المطالب السياسية التي ستُطرح ومدى قابليتها للتطبيق من ناحية، والقوى التي ستتبنى الدعوة للنزول إلى الشارع من ناحية أخرى، حيث إن الحديث عن أعراض الفساد ومظاهره وبعض تفاصيله، أو تبني مجاميع انتخابية وطائفية الدعوة سيجعلها غير ذات جدوى.

Ad

 أغلب ما يتداوله إعلاميا من يسمون أنفسهم "نشطاء سياسيين"، وأغلبيتهم إما نواب سابقون ومحتملون أو أعضاء في لجانهم الانتخابية، هو الحديث عن أعراض الفساد السياسي ومظاهره، أو عن هذا المسؤول أو ذاك، وليس عن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى انتشار الفساد السياسي أو عن الخلل البنيوي المتعلق بطريقة إدارة شؤون الدولة والمجتمع وطبيعة القوى المسؤولة عن ذلك، ولأن أعراض الفساد السياسي ومظاهره كثيرة ومتنوعة بات الناس يرونها أمامهم يوميا منذ عقود، فقد أصبح الحديث عنها مكرراً ومملاً.

وللخروج من هذه الدائرة المغلقة لا بد من أن ينتقل الحديث عن الإصلاح السياسي من حديث ممل عن الأعراض والمظاهر وتغيير الأشخاص إلى البحث الجدّي في طرق إصلاح نهج إدارة الدولة، وتغيير موازين القوى من خلال طرح مطالب محددة وإجراءات قابلة للتطبيق، بحيث يترتب عليها تنظيم العمل السياسي على أسس سليمة، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في السلطة والقرار والثروة الوطنية، وإلا فإننا سنستهلك الوقت الثمين للغاية في الحديث الدائري الممل عن مظاهر الفساد، وسنظل نعيد إنتاج مشاكلنا بألوان وأشكال متنوعة، فأعراض المرض لا تختفي طالما بقيت أسبابها قائمة. وكما ذكرنا سابقاً فإن ما نحتاجه الآن هو مشروع إصلاح سياسي بنقاط عملية محددة لا تثير الخلافات، بحيث تحظى بتوافق وطني عام كي تنتشلنا من الوضع المزري الحالي، إذ كلما كثرت التفاصيل أو طرحت قضايا خلافية وغير قابلة للتطبيق في المدى القريب زادت الخلافات واستمرت حالة المراوحة السياسية التي نعانيها حالياً.

وفي هذا السياق، نعتقد أن المشروع السياسي الذي تقدم به قبل مدة "التيار التقدمي" يُشكل أرضية مناسبة للتوافق الوطني والضغط الشعبي لتحقيقه؛ لأنه يطرح نقاطا محددة وعملية لا تحتاج إلى تنقيح الدستور، لكنها مهمة للغاية في عملية الإصلاح السياسي الذي يُمهد الطريق لاحقا للتوافق حول تعديل الدستور والانتقال إلى النظام البرلماني الديمقراطي الكامل في دولة مدنيّة ديمقراطية تتسع للجميع، وكان من المفترض أن يُعيد "التيار التقدمي" طرح مشروعه من جديد بعد تحفظه على مشروع "الائتلاف" ليأخذ حقه في النقاش العام.

على أي حال يبدو أن الضغط الشعبي، كما ذكرنا في المقال السابق، سيُجبر "المعارضة" على الخروج للساحات والميادين العامة، ولكن من حق الشعب، قبل الخروج للشارع، أن يعرف بشكل محدد وواضح المطالب السياسية التي ستُطرح ومدى قابليتها للتطبيق من ناحية والقوى التي ستتبنى الدعوة للنزول إلى الشارع من ناحية أخرى، حيث إن الحديث عن أعراض الفساد ومظاهره وبعض تفاصيله، أو تبني مجاميع انتخابية وطائفية الدعوة سيجعلها غير ذات جدوى، وسيزيد من إحباط الشباب ويقلل، بالتالي، من الالتفاف الشعبي حول مطالب الإصلاح السياسي ويعيدنا إلى المربع الأول.