عندما تصاب أميركا بعمى الألوان
غير مفهومٍ وغير مفهومٍ ما الذي يدفع هذه الإدارة الأميركية، إدارة باراك أوباما إلى كل هذه الرعونة الدبلوماسية وإلى خلط أوراق علاقاتها في الشرق الأوسط على هذا النحو، مما يؤكد أنها ذاهبة إلى ما كان قاله عبدالرحمن الداخل قبل نحو ألف وثلاثمئة عام عندما سئل وهو في طريقه إلى الأندلس التي أقام فيها دولة أفضل كثيراً من دولة الأمويين الأساسية: "لماذا دالت دولة بني أمية؟" وكان جوابه: "لقد تخلينا عن أصدقائنا فخسرناهم، ولقد ركضنا خلف أعدائنا فلم ندركهم". الآن تشتبك إدارة الرئيس باراك أوباما مع كل حلفائها الأوروبيين، وذلك لأنهم اكتشفوا أنها تتجسس على مكالمات رؤسائهم، ومن بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فهل يا ترى الولايات المتحدة بحاجة إلى التجسس على بريطانيا وعلى فرنسا وعلى ألمانيا وعلى باقي دول الاتحاد الأوروبي مادامت كل من هذه الدول عضواً في حلف شمالي الأطلسي، ومادام أعداءُ أميركا هم أعداءها، ومادام أصدقاؤها أيضاً هم أصدقاء الأوروبيين بدون استثناء؟!
ثم هل من المعقول أن تبادر دولة كبرى، بل الدولة الأكبر والأعظم والأهم في العالم كله، إلى الإساءة لعلاقاتها التاريخية بالمملكة العربية السعودية، التي كانت بدأت في بدايات القرن الماضي بلقاء البحر الأحمر الشهير بين الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وفرانكلين روزفلت، ولعلاقاتها بمصر التي بقيت زهاء ثلث قرن منحازة عملياً إلى المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، وكل هذا مقابل ابتسامات خادعة رسمها الرئيس الإيراني على وجهه "السموح" خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير، وثبت أنها ابتسامة "تقيّة" وأن حسن روحاني غير مكلف، بل غير مسموح له، بأن يحولها إلى السير دبلوماسياً عكس ما كان رسمه آية الله الخميني بعد انتصار ثورته عام 1979 مباشرة؟! لقد اتخذت إدارة باراك أوباما موقفاً غير مفهوم وغير مبرر على الإطلاق عندما انحازت إلى "الإخوان المسلمين" في مصر قبل حكمهم البائس الذي استمر عاماً واحداً، وقبل ذلك عندما بقيت تصر على هذا الانحياز وتتمسك به بعد الحركة التصحيحية أو الثورة الثانية التي اضطرت القوات المسلحة إلى القيام بها تحت ضغط الرأي المصري... وحقيقة حتى الآن، فهل هذا بالإمكان فهمه وتبريره؟ وهل لم تعد الولايات المتحدة تعرف العدو من الصديق أم أنها تفعل كل هذا الذي فعلته ولا تزال تفعله لأنها لا تزال تراهن على الثورة الخلاقة التي كان الرئيس الأميركي جورج بوش الابن قد رفع شعارها قبل غزو العراق وإسقاط صدام حسين عام 2003؟! كان الأميركيون يقولون إنه لا يوجد في مصر أي تنظيم حزبي فاعل بالإمكان الرهان عليه إلا جماعة "الإخوان المسلمين"، ولذلك فإنهم من أجل إنجاح المرشح الإخواني محمد مرسي في آخر انتخابات رئاسية مارسوا ضغوطاً هائلة على قيادة الجيش المصري في ذلك الحين، ولذلك أيضاً ساهموا مساهمة رئيسية في إبعاد الجنرال أحمد شفيق الذي كاد أن يصل إلى قصر الاتحادية... إن هذا بالإمكان أن يكون مفهوماً مع أنه غير مقبول، أما بعدما فشل الإسلاميون في الحكم كل هذا الفشل الذريع وثبت أنهم غير مؤهلين إلا للمعارضة العدمية فإنه من المستغرب أن تبقى الولايات المتحدة تدير ظهرها للحكم المصري الحالي وتبقى تصر على المراهنة على الجماعة الإخوانية! إنها تقديرات خاطئة وإنه عمى ألوان سياسي، وإن إدارة أوباما ستكتشف ذات يوم قريب كم أنها كانت ساذجة وجاهلة بالألاعيب الدولية عندما باعت أصدقاءها السعوديين والمصريين واختارت المراهنة على إيران التي تتخذ من مبدأ "التقية" الذي يعطيها الحق أن تُبطن غير ما تُظهر، وأن تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، وإنها، أي الإدارة الأميركية، ستندم حتماً، ولكن عندما تكون الطيور قد طارت بأرزاقها، وعندما لا ينفع الندم، وعندما تكون المملكة العربية السعودية قد اختارت الصين ومعها الأوروبيين بديلاً، في حين تكون مصر قد اتجهت نحو روسيا لتجدد العلاقات نفسها التي كانت تقيمها مع الاتحاد السوفياتي.