دعم التدخل في أوكرانيا لا يشكّل مسألة جغرافية

نشر في 16-04-2014
آخر تحديث 16-04-2014 | 00:01
الاعتداء الروسي على أوكرانيا يشكّل مسألة اعتداء غادر عبر الحدود واستيلاء على أراضٍ، وأينما حدث هذا الاعتداء (في القرم اليوم أو في الكويت قبل أكثر من عشرين سنة)، ينتهك هذا السلوك القانون الدولي ويهدد النظام العالمي.
 واشنطن بوست تقرأ عند نصب قدامى الحرب الكورية عبارة: "تكرّم أمتنا أبناءها وبناتها الذين لبّوا النداء للدفاع عن بلد لم يعرفوه وشعب لم يلتقوه".

تعكس هذه العبارة ببلاغة واقع أن القليل من المواطنين الأميركيين العاديين وعدداً محدوداً من أعضاء الكونغرس على الأرجح كان باستطاعتهم تحديد موقع كوريا على الخريطة في الخامس والعشرين من يونيو عام 1950، حين عبرت قوات كيم إيل سونغ خط عرض 38 بهدف شن هجوم بدعم من الدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين.

لكن إدارة ترومان أدركت بسرعة أن هذه محاولة لإعادة رسم الخريطة من خلال اعتداء العسكري؛ لذلك كان من الضروري مقاومته، مع أن وزير الخارجية الأميركي دين آتشيسون كان قد أعلن أن كوريا تقع خارج "الدائرة الدفاعية" الأميركية. لا شك أن الحرب الكورية كانت بشعة ولم تحظَ بدعم شعبي كبير، إلا أن الحوادث التاريخية اللاحقة، خصوصاً الاختلاف البارز بين مصيرَي الكوريتين، أظهرت صواب التضحيات الأميركية في تلك البقعة من العالم.

عدتُ إلى تلك الحقبة التاريخية لأعلّق على نتائج نشرها ثلاثة بروفيسورات من أبرز الجامعات الأميركية في مدونة Monkey Cage للعلوم السياسية التابع لصحيفة "واشنطن بوست"، فقد ذكروا أن 16% فقط من الأميركيين يستطيعون تحديد موضع أوكرانيا على الخارطة، وأنه "كلما بعدت تخميناتهم عن موقع أوكرانيا الفعلي، ازدادوا إصراراً على ضرورة تدخل الولايات المتحدة، مستخدمةً القوة العسكرية".

اعتبرت بعض الأوساط أن هذه الوقائع لا تشكّل دليلاً على أن الأميركيين جهلة في مجال الجغرافيا فحسب (واقع نعرفه مسبقاً)، بل على أن التعصب يرتبط أيضاً بالجهل.

كان رد فعلي: منذ متى تُعتبر المعرفة الجغرافية الدقيقة مطلباً أساسياً لتحديد السياسة الخارجية الأفضل عموماً وفي حالة أوكرانيا خصوصاً؟

لا شك أن المعلومات مهمة: إن كنت لا تعلم أن أوكرانيا دولة أجنبية، يصعب عليك تحديد بشكل واضح ومدروس ما إذا كان على الولايات المتحدة "اتخاذ خطوات عسكرية" في هذا البلد، وفق الإطار العام الذي حاول هؤلاء البروفسورات إدراج دراستهم فيه على نحو غامض.

من الجلي أيضاً أن مصالح الولايات المتحدة في أي مسألة محددة ترتبط بالسياسة الخارجية والطريقة الفضلى لحمايتها يختلفان باختلاف الأماكن.

أقصد بكلامي هذا أن الاعتداء الروسي على أوكرانيا يشكّل مسألة اعتداء غادر عبر الحدود واستيلاء على أراضٍ، وأينما حدث هذا الاعتداء (في القرم اليوم أو في الكويت قبل أكثر من عشرين سنة)، ينتهك هذا السلوك القانون الدولي ويهدد النظام العالمي. ولا شك أن أي شخص عاقل قد يفكّر على الأرجح (أو عليه ذلك) في تدخل عسكري أميركي أو متعدد الأطراف بدرجات مختلفة، مستنداً إلى هذا الواقع وحده (حتى لو بدا جلياً أن تدخلاً مماثلاً مستبعد في أوكرانيا في الوقت الراهن).

نلاحظ اليوم حالة من الحيرة الواضحة: ما كنتُ قد سمعت بجزر فوكلاند حين سيطر عليها المجلس العسكري الأرجنتيني في عام 1982، ولكن حتى قبل أن أعثر على تلك النقط الصغيرة على خارطة العالم، اعتقدتُ أن من المبَرّر أن تسعى بريطانيا لاستعادتها بالقوة، إن دعت الحاجة.

من الطبيعي أن تبدو الأسباب الداعمة للتدخل الأميركي، العسكري وغيره، أقوى في المناطق التي تملك مصالح جيو-سياسية مرتبطة بهذه المسألة، مثل أوروبا، فبالنظر إلى تاريخ القرن الماضي، نرى أن أي محاولة لضم مناطق بالقوة في تلك القارة، خصوصاً إذا ارتكزت هذه المحاولة على تعزيز القومية (تماماً كما يفعل بوتين اليوم)، لا تُعتبر مقلقة من الناحية الاستراتيجية فحسب، بل من الناحية الأخلاقية أيضاً.

من هذا المنطلق، تُعتبر دراسة هؤلاء البروفيسورات مطمئنة: مع أن واحداً من كل ستة أميركيين يعرفون موقع أوكرانيا على الخريطة بدقة، يعتقد معظمنا أنها تقع في مكان ما بين الأورال والأطلسي، ويفهمون ما يحدث بشكل عام.

أما ذلك الاكتشاف المبالغ فيه عن أن معظم الردود المتطرفة جاءت ممن أخطأوا في تحديد موقع أوكرانيا على الخريطة، فيفقد أهميته عندما ندرك أن 13% فقط من المستطلَعين أيدوا العمل العسكري، في حين أن 87% رفضوه، بكلمات أخرى، يعني ذلك أن أغلبية مَن عارضوا التدخل في أوكرانيا يعجزون أيضاً عن تحديد موقعها بدقة.

لا تقتصر السياسة الخارجية على المعرفة والذكاء، بل تشمل أيضاً الحكم السليم والحكمة.

أقاوم رغبتي في تصنيف دراسة هؤلاء البروفيسورات البارزين مجردَ انعكاس مرفوض للموجة الكمية السائدة راهناً في مجال العلوم السياسية أو لاحتقار أكاديمي أكثر قدماً لعامة الناس، بأكثر من كونها محاولة بنية حسنة لربط معارف السياسة الخارجية بالمواقف السياسية، كما أكّد لي كايل دروب من دارتموث، أحد واضعي هذه الدراسة.

رغم ذلك، ألم يصبح ارتباط الجهل بالتطرف بحد ذاته فكرة قديمة؟ كان يان وانغ، ناشط سابق مؤيد للديمقراطية في بكين يعيش اليوم في نيويورك، مَن أرشدني إلى تلك الكتابة على نصب الحرب الكورية.

أما عمّا نُشر في Monkey Cage، فقد ذكر في رسالة إلكترونية: "في الصين، يسخر المتشددون في الحزب من الغربيين بالطريقة عينها لتعاطفهم مع التبتيين، فهم لا يعلمون موقع التبت على الخريطة"، لكنني أضيف إلى ما قاله: بغض النظر عن موقع التبت، يجب تحريرها.

Charles Lane

back to top