اقتراح وجيه لكنه ناقص!
في ذروة عدوان إسرائيل الغاشم والغادر على غزة بادر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الأكثر تطرفاً ويمينية حتى من رئيسه بنيامين نتنياهو، إلى تقديم اقتراح غير مسبوق دعا فيه إلى وضع قطاع غزة تحت إدارة وإشراف الأمم المتحدة، وهذه مسألة يجب متابعتها وأخذها بعين الاعتبار، خاصة من قبل القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس (أبو مازن) الذي يتمتع بشفافية سياسية عالية ومميزة.يجب أن يقال لوزير خارجية إسرائيل وللحكومة الإسرائيلية، التي على رأسها بنيامين نتنياهو، إن هذا الاقتراح المفاجئ مقبول ومرحبٌ به، لكن بشرط بسيط...! وهو أن يشمل الضفة الغربية كلها وبدون استثناء ولا "إنش" واحد من الأراضي التي احتلت في عدوان عام 1967، والتي اعترفت الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني بدولة تحت الاحتلال عليها.
والمفترض أن يبادر (أبو مازن)، حتى قبل أن يُستكمل وقف إطلاق النار، الذي يجري الحديث عنه، إلى التوجه للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن الدولي تحديداً، وإبلاغه بقبوله وقبول منظمة التحرير والسلطة الوطنية والدولة الفلسطينية تحت الاحتلال باقتراح أفيغدور ليبرمان هذا، على أساس أن تتكفل المنظمة الدولية بأمن قطاع غزة والضفة الغربية من خلال قوات تابعة لها، على غرار ما هو متبع بالنسبة لمناطق النزاعات منذ إنشاء هذه المنظمة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. ثم وإلى جانب القوات الدولية يجب أن تتكفل الأمم المتحدة بالإنفاق المالي على كل شيء في قطاع غزة والضفة الغربية، التي يصر ما يسمى "اليسار الفلسطيني" على تسميتها: "الضفة الفلسطينية"، وهنا فأنا أعتقد أن الأردن لا تزعجه هذه التسمية، وأنه يوافق عليها ويباركها بكل حماسٍ وأريحية، من التعليم إلى الصحة إلى الطرق وشبكة المواصلات إلى رواتب الموظفين، وكل الموازنات التي تتولى مسؤوليتها الآن السلطة الوطنية.إن هذا الاقتراح، الذي بادر إليه وزير خارجية إسرائيل في ذروة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، يجب أن تأخذه القيادة الفلسطينية على محمل الجد، ويجب أن تلاحقه وتبلغ الأمم المتحدة أنها لا تقبله فقط بل ترحب به وتصر عليه... لكن بشرط أن يشمل كل الأراضي الفلسطينية التي احتلها الإسرائيليون في حرب عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية، التي لا يمكن التنازل عن مطلب أن تكون عاصمة دولة فلسطين المنشودة، حتى وإن أُفْني الشعب الفلسطيني عن "بكرة أبيه"!ربما هذا الاقتراح المفاجئ، الذي تقدم به وزير خارجية إسرائيل في ذروة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، يعني أن الإسرائيليين، الذين قرف العالم كله تصرفاتهم، بما في ذلك أصدقاؤهم في الولايات المتحدة وفي دول الاتحاد الأوروبي، ما عادوا قادرين على تبعات حرب فعلية كل عامين، وأنهم ما عادوا قادرين على إشغال جيشهم بمطاردة الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية... وحقيقة، وإذا كان هذا التقدير صحيحاً، فإن هذا يعني أن هناك تطوراً في المفاهيم، بعدما ارتطمت رؤوس قادة اليمين الإسرائيلي بجدار الحقيقة... وهذا يجب المسارعة إلى استثماره من قبل القيادة الفلسطينية ومن قبل العرب المعنيين أيضاً.وحتى إذا كانت إسرائيل لا تطمئن لوجود قوات دولية في قطاع غزة والضفة الغربية فإن المفترض أن القيادة الفلسطينية لا تمانع في أن تكون أغلبية هذه القوات الدولية أميركية وأوروبية وروسية وصينية، فالمهم أن تخرج القوات الإسرائيلية من آخر شبر من الضفة الغربية، وألا تبقى الاعتداءات على غزة تتكرر في كل عامين، وأن يدرك الإسرائيليون أن قطاع غزة والضفة الغربية كيان فلسطيني واحد، وأن يدركوا أيضاً أنه لا يمكن أن يفرط الشعب الفلسطيني في ذرة تراب واحدة من أرضه التي احتلت عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية التي ستكون حتماً عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة.