أين أخطأ أردوغان؟!
لم يَحظَ أيُّ مسؤولٍ عربي وإسلامي بما حظي به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فأهل هذه المنطقة ومعهم الأتراك، بالطبع، نظروا إليه على أنه "المخلص" وأن العناية الإلهية بعثته ليصحح مسار التاريخ الذي ساد لسنوات طويلة بعد انهيار الإمبراطورية، أو الخلافة العثمانية، وبعد مجيء الضابط اللامع مصطفى كمال (أتاتورك) الذي قيل فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، والذي اتُّهِمَ بأنه ليس مسلماً ولا تركياً، وأنه من يهود "الدولما"، والعياذ بالله، الذين جاء بعضهم من الأندلس، بعد زوال الدولة الأموية التي تمزقت وخلَّفت دويلات طوائف كثيرة، واستوطنوا مدينة اليونانية.إنَّ الحديث هنا ليس عن أتاتورك ولا عن ما لَهُ وما عليه، وهو في كل الأحوال يعتبر بطلاً قومياً تركياً حافظ على وحدة هذا البلد العظيم الذي استهدف في وحدته ووجوده خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، وإنما عن رجب طيب أردوغان الذي بزغ كنجم ارتفع في سماء إسطنبول فجأة، والذي بنى على ما كان أسسه نجم الدين أربكان فلامس شغاف قلوب أغلبية الأتراك الذين اكتشفوا بعد مطاردة طويلة للعضوية الأوروبية استمرت عشرات الأعوام أنهم يطاردون سراباً خادعاً، وأنَّ بوابة بلادهم هي نحو الجنوب في اتجاه المنطقة العربية لا نحو الغرب في اتجاه شعوب وأمم لاتزال تذكر أنَّ خيول الفرسان العثمانيين وصلت إلى فيينا في قلب أوروبا.
كان هذا البزوغ بمنزلة استجابة إلهية لدعاء رجب طيب أردوغان ليلة القدر، إذ أصبح بطلاً قومياً وبطلاً إسلامياً بسرعة البرق، وتعززت مكانته عندما تبنى القضية الفلسطينية، وعندما غادر وبنزقٍ وانفعالٍ شديدين منصة الخطابة في دافوس عام 2009 احتجاجاً على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وعندما اتخذ أيضاً ذلك الموقف الذي اتخذه عندما هاجم الإسرائيليون إحدى سفن المساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. لقد تصرفنا جميعاً، حتى بما في ذلك باقي ما تبقى من الماركسيين والعلمانيين، بعد بزوغ هذا النجم التركي، الذي ارتفع بسرعة، على أساس أنَّ هذا هو الذي نريده ونسعى إليه بعد تجارب أشد مرارة من مرارة الدكتور منيف الرزاز مع حزب البعث، وبعد أن خسرنا الرهان على التيارات العروبية القومية، وعلى التيارات الشيوعية، وعلى "الإسلامويين"، الذين أثبتوا أكثر من ألف مرة، لا مرة واحدة، أنهم لا يختلفون عن غيرهم، وأنهم دعاة حكم وليسوا أصحاب رسالة... لقد شعرنا أنَّ هذا الشاب الذي يشبه سهماً منطلقاً من قوسٍ مشدودة الوتر هو الذي سيصحح مسيرة الإسلام السياسي، وهو الذي سيعيد تركيا إلى مجالها الحيوي الحقيقي والفعلي.لكن وبكل أسف فإن كل هذه الآمال وكل هذه المراهنات قد انهارت دفعة واحدة عندما فاجأنا رجب طيب أردوغان وفاجأ نفسه وزملاءه في حزب العدالة والتنمية وفاجأ أيضاً كل من راهن على أنه سيأتي بما لم تستطعه الأوائلُ، وأثبت أنه مجرد "إخواني" مغلفٍ بأوراق ناعمة، وأنَّ مرجعيته هي الشيخ يوسف القرضاوي، وأن مثله الأعلى هو محمد مرسي، وأنه عندما أغلق سماعة الهاتف في وجه الرئيس المصري (المؤقت) عدلي منصور لم يدرك أن هناك فرقاً كبيراً بين مصر العظيمة وبين حزب الإخوان المسلمين... وأن القضية الفلسطينية ليست لا إسماعيل هنية ولا خالد مشعل... وأيضاً ولا المرشد العام محمد بديع.ما كان على رجب طيب أردوغان أن يرتكب هذا الخطأ القاتل، بل كان عليه أن يقف في منتصف الدائرة لا في طرفها، وألا ينحاز إلى الإخوان المسلمين بهذه الطريقة التقليدية التي إن كانت تلائم بعض الإسلامويين المتحزِّبين فإنها لا تلائم إطلاقاً رئيس وزراء دولة محورية ورئيسية... لقد كان المفروض أن يلعب رئيس الوزراء التركي دور الوسيط بين "الإخوان" وبين الحكم المصري الجديد، وليس دور الحزبي الضيق الأفق... لقد كان عليه أن يكسب مصر كلها لا أن يضع كل بيضه في السلة "الإخوانية"، وأنْ يواصل حربه الإعلامية والسياسية على المشير عبدالفتاح السيسي ويعتبر حركته، التي هي حركة جيش مصر والتي جاءت استجابة لرغبة أغلبية شعب أرض الكنانة، انقلاباً عسكرياً يجب أن يبقى يقف له بالمرصاد!.