أنت كثير في وحدك

نشر في 15-12-2013
آخر تحديث 15-12-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري أعتذر منك أيها الشاعر الجميل الأصيل لأني لم أعرفك من قبل وأنت قريب مني جدا، أعتذر منك لأني تأخرت في قراءتك وأفقدت نفسي متعة خاصة كمتعتي وأنا أغرق في ديوانك الأخير الذي قادتني اليه المصادفة، المصادفة المحضة ليس إلا.

يقولون إنك لا تخرج الى العراء ولا تتلمس أصوات المحبين ولا تهتم كثيرا بالقراء البسطاء أمثالي. يقولون إنك ترتكب الشعر وتصمت عن بقية الكلام، لم أتعرف اليك من الذين يعرفونك أكثر مني، الكل يؤكد أنه يعرفك ولا يعرفك.

أعرف أن اسمك علي حسين الفيلكاوي وأنك كويتي وهذا كل ما يعرفه الآخرون عنك أيضا. وأنت لا تريد أن يعرفك أحد بعيدا عن عملك الذي تخلص له اخلاصا مرعبا لا يطيقه الجميع. وأنا هنا سأحقق لك رغبتك، لن أبحث عن شخصك ما يهمني هو شعرك، ما يهمني هذا الدفق الرصين لقصائدك المجدولة ببراعة تدعو الى الفخر. وما يهمني أنني سهرت معك ليلة دون علمك أتلمس قدرتك على الابهار.

في عملك الأخير: "لا مكان يصلح للانتظار"، والذي لم أطلع على سواه، اكتشفت شاعرا مغايرا في زمن قل فيه الشعر وتضاءل عدد المعجبين به. نفسك الشعري ثابت ولغتك نافرة كنحات، أفكارك خارج زمنك وحدود مكانك الذي حاولت مراوغا في أكثر من قصيدة أن تستقر فوقه فيخذلك. وطنك حالة من التأرجح بين المكوث والغياب. ووحدك تتكاثر فيك وتتضاءل حولك "أنت كثير في وحدك/ أرضك أرض اللحظة/ مثل خيال أبدي/ خلف ضباب نبوي/ الموجة شاكرة تدفع قاربك الشعري/ تلف العالم من بيتك حتى آخر بيت للشعر".

هل كنت تبكي فهد العسكر حقا أم أنت؟ شاعران مختلفان خلقا لزمنين مختلفين فرضيا، يكتشف الحي أنه في زمن الميت. في ظروفه القاسية، في جحيم الرفض، في عنف المواجهة وفي العجز التام عن الاستمرار، وفي الصرخة الأخيرة المتشابهة

"وطني وطني وطني".

لست أقل تشاؤما ولست أقل ايلاما ولا أقل ألما، مكانك الذي يسكنك يتمرد على وجوده فيك ولا تتمرد على وجودك فيه، وأنت تبحث عن الانسان فيك:

وسوف يأتي الرجال الأقوياء/ والدهاة والطامعون/ ويمحون الخطوط جميعا / ويرسمون خطوطا جديدة / فتتبدل الأسماء والأوطان/ وأنا ما زلت أمام ورقة بيضاء/ حيث أنا الآن /لا أعرف اسما/ أو وطنا/ سوى الانسان.

علي حسين الفيلكاوي شاعر لا أعرف كثيرا من التجارب الأخرى تشابه تجربته وهو ليس امتدادا لأحد، يجيد قصيدة النثر بحرفية عالية، نصه مزدحم بأفكاره وفلسفته الخاصة بالحياة، مشبع بالتاريخ، مليء بالمفردة التي تشكل صوته الابداعي الخاص. ورغم ألم المكان الذي يحاصره وشعوره الغامر بالاغتراب الذاتي يجسد المكان الذي يعشقه حالما بمستقبله الأجمل.

تجربة غنية تستحق البحث والاهتمام، وصوت مميز أتمنى ألا نتفق معه في انزوائه. اضافة مهمة للشعر الحديث في الكويت، وأعني ما أقول.

back to top