وجع اسمه الوطن
الوطن... ما الوطن؟ هل هو تلك الحجارة أم الشوارع أم بيتنا أم مدرستنا أم أصدقاء طفولتنا أم متعة الذهاب إلى البقالة التي في آخر الشارع عندما نذهب لنشتري ما يحلو لنا من مصروفنا بعد أن خزناه لأيام؟ هل هو الرمل الذي كنا نلعب عليه ونبني أحلامنا قصوراً فتهدم عند أول رفسة من أرجلنا أو أرجل رفاق اللعب؟ ما هو إذاً؟ لماذا نغص بعبرة خانقة عند ذكر اسمه عندما نغيب عنه، ونحن نلعنه ونلعن ساعة ولادتنا فيه عندما نكون محاصرين بين جدرانه؟ نختنق، نهرب منه إلى ديار بعيدة علّنا ننساه وننسى ما عشناه من ألم ومعاناة وتهميش ومحاربة لقمة عيشنا فيه، لماذا إذاً نحمله معنا أينما ذهبنا؟ لماذا نغضب إذا أساء أحد إليه؟ ألف ألف لماذا لا أفهمها... لماذا تكرهنا أوطاننا ونكرهها عندما نكون معاً في مكان واحد، وإذا افترقنا نموت شوقاً لبعضنا كعاشقين؟
لكننا نريد أن نعيش، نريد أن نحقق أحلامنا، ولا نستطيع فنعيش فيه غرباء أكثر من غربتنا خارجه، فنهرب باحثين عن الأمل الذي فقدناه هناك، ونجد للأسف في الغربة داراً أخرى تلمنا تحتضننا، ونجد أن الوطن هو خرافة درسناها في الكتب حفظناها شعراً، شربناها ولم نصدقها، فرضت علينا أن نصدقها، لكن عند أول اختبار لها رسبنا فيها، لم يعد الوطن حجارة ولا شوارع ولا طفولة، إنه أينما تجد نفسك فذلك وطنك، أينما تحقق أحلامك فهناك وطنك، عندما تستطيع أن تشتري لك بيتاً وترى الأمان يغمرك أنت وأطفالك هناك يكون الوطن.لو كان أغلب الناس يحبون أوطانهم كما يتغنون بها لما تحول التراب إلى جحيم يحرق الأخضر واليابس، ولا امتزج الدم بالماء والهواء وأصبح الجو خانقاً، لو كان من يتغنون به صادقين لما سرقوه ولما سرقوا أحلامنا وأماننا. سنحمل وجعنا وحسرتنا عليه حتى الممات لكننا لن نكون إلا خارجه، فهو يحبنا من بعيد فقط ولا يريدنا أن نقترب أكثر، فهناك تشتعل جذوة الحب بيننا لكنها تنطفئ بلقائنا، فسلام عليك أيها الوطن... من بعيد. ودمتم بخير.