«أولمبياد سوتشي»... ما زال بوتين يسعى وراء الذهب
لا يرتكز اختبار بوتين الحقيقي على الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام الغربية الألعاب الأولمبية، بل على ما إذا كانت مراهنته على أن روسيا بقيادته تستطيع إنشاء الاتحاد الأوراسي وتحافظ عليه.
![ناشيونال إنترست](https://www.aljarida.com/uploads/authors/809_1687281767.jpg)
لاشك في أن مسار الإنجازات في سوتشي لم يبلغ مستوى توقعات الكرملين الأولية. ومازالت روسيا تواجه خطر التعرض لاعتداء إرهابي خلال الألعاب، اعتداء قد يشكك في مدى فاعلية الجهود التي تتفاخر موسكو بتطبيقها ("حلقة الفولاذ") في تلك المنطقة. ومع أن بوتين يفضل مشاركة قادة العالم في هذه الألعاب، فإنه لا يعتبر وجودهم ضرورياً البتة ليمضي قدماً في خططه.إذا استثنينا احتمال وقوع هجوم إرهابي كبير في سوتشي قد يشكك في سيطرة بوتين وفاعليته، أعتقد أن الرئيس الروسي سيعتبر أن الألعاب شكلت نجاحاً مقبولاً، وأنها حققت الكثير من أهدافه، خصوصاً إذا قدم الفريق الروسي أداء أفضل مما شهدناه في ألعاب فانكوفر عام 2010. أضف إلى ذلك عامل إخفاق محاولات روسيا استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي خلال عهد بوريس يلتسين، ما يعني أن بوتين حقق نجاحاً كبيراً عام 2007. فبمجرد الفوز باستضافة الألعاب الأولمبية، يكون الرئيس الروسي قد نجح في تأكيد أن نفوذ روسيا في العالم ينمو. علاوة على ذلك، لا يبدو بوتين قلقا بشأن أي احتجاجات محتملة من قبل الرياضيين الزائرين. فقد رحب الرئيس الروسي، على ما يظهر، بانتقادات الغرب لسياساته، خصوصا تلك المرتبطة بالمثليين الجنسيين، واستغلها للتقرب من الغربيين المحافظين اجتماعيا، فضلا عن تعزيزه فرص ظهوره بمظهر القائد الفعلي لرد الفعل الدولي تجاه جهود الولايات المتحدة الرامية إلى الترويج لليبرالية الغربية الطراز، والمدافع الأبرز عن حقوق الدول حول العالم بحماية "قيمها التقليدية". رغم أعمال البناء غير المنتهية والادعاءات المتواصلة عن أن كمية كبيرة من الأموال المخصصة لتجهيز سوتشي لاستضافة الألعاب الأولمبية حُولت إلى حسابات خاصة (تطور لا يُعتبر بحد ذاته سلبياً لأن الإخفاقات الواضحة في سوتشي، مثل الفنادق المتداعية، توفر فرصاً جديدة لاستخدام هذه المعلومات السلبية ضد مجموعة من النخبة الثرية الروسية ورجال الأعمال، الذين حظوا بعقود تطوير سوتشي المربحة، فضلاً عن أنها تزود بوتين بما يحتاج إليه لشن حملة جديدة ضد الفساد وتطهير النخبة السياسية والتجارية الروسية)، حقق بوتين هدفاً طويل الأمد. فقد نجحت موسكو في الإشراف على إعادة تنمية هائلة لتلك المنطقة، التي تُعتبر النظير السوفياتي التقليدي لمنطقة الريفييرا. وبما أن الكثير من "الروس الجدد" توجهوا خلال السنوات القليلة الماضية إلى مراكز المتعة والاستجمام الغربية التقليدية (الريفييرا الفرنسية، وجبال الألب السويسرية، وغيرهما)، فستقدم سوتشي بعد الألعاب الأولمبية (وإن لم تنجح في بلوغ أعلى معايير الرفاهية والفاعلية والراحة الغربية) بديلاً لقضاء العطل بالنسبة إلى الطبقة الوسطى الروسية، خصوصاً في المراكز الإقليمية، علماً أن هذه الشريحة من المجتمع تتحول تدريجياً إلى عمود الدعم الرئيس لإدارة بوتين، في حين تتراجع شعبية هذه الأخيرة في قطاعات الإدارة والأعمال والفكر في المراكز الرئيسة في روسيا.من الضروري أيضاً، في رأيي، التأمل في تنمية سوتشي (وتقدم الألعاب الأولمبية سبباً منطقيا لتخصيص كمية كبيرة من موارد الدولة لهذه المهمة) في ضوء رؤية بوتين للاتحاد الأوراسي. يعتقد الرئيس الروسي أن الاتحاد الأوراسي الذي يقترحه سيتمكن بمرور الوقت من تبديد ما يعتبره بوتين الجاذب الوهمي للاتحاد الأوروبي في نظر دول الاتحاد السوفيتي السابق في أوراسيا. وتحمل إعادة تنمية سوتشي رمزياً رسالة مفادها أن ما تبحث عنه هذه الدول في أوروبا تستطيع أن تعثر عليه أيضاً في الاتحاد الأوراسي.بناء على ذلك، لا يرتكز اختبار بوتين الحقيقي على الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام الغربية الألعاب الأولمبية، بل على ما إذا كانت مراهنته على أن روسيا بقيادته تستطيع إنشاء الاتحاد الأوراسي وتحافظ عليه ستنجح. إذاً، تشكل سوتشي اختباراً يحدد ما إذا كانت إدارة بوتين قادرة على إنجاز مشروع بناء مهم جديد. لاتزال النتائج التي حققتها حتى اليوم مبهمة. لكن الحكم النهائي لن يصدر إلا بعد وقت طويل من عودة الرياضيين إلى أوطانهم.* نيكولاس غفوسديف | Nikolas Gvosdev