وثيقة لها تاريخ : معلومات سرية تشير إلى استعداد عثماني للهجوم على الكويت عام 1902
لم يكن الشيخ مبارك ساذجاً أو مغيباً عما يحدث حوله، خصوصاً في ما يتعلق بالتجهيز العسكري للقوات التركية، لإجباره على ترك الحكم، فقد وردت إليه تقارير سرية من البصرة بتاريخ 4 جمادى الأولى 1319هـ تفيد بأن كاظم باشا متوجه إلى مدينة السماوة مع عدد من الجنود، وأن مدينة الناصرية تجمعت فيها ثمانية طوابير عسكرية تهدف إلى الهجوم على الكويت إن لم ينصع الشيخ مبارك لأوامر الدولة العثمانية بالتنازل عن الحكم. تقول الوثيقة التي أرسلها الشيخ مبارك إلى المعتمد البريطاني، والتي تتضمن نص التقرير السري الذي وصل إليه قبل أن يلتقي بالقائد العثماني يوم 9 جمادى الأولى 1319هـ: "حسب معلومات بغداد ان كاظم باشا ايضا متوجه الى السماوة وهناك مجتمع عساكر كم طابور وفي الناصرية وأطرافها ايضا مقدار ثمانية طوابير ولا زالت الحكومة في استعداد وحسب الشائع عند الناس ان العسكر يساق الى الكويت ولكن لعدم وجود السبب لم نتيقن بصحة هذه الشائعة. وعلى كل حال لا ينبغي من حظرتكم السكوت بل اللازم عرض الحال الى الحظرة الشاهانية وبيان ما يلزم بيانه من حسن خدمتكم وعدم الاصغاء لقول المغرضين بحقكم وطلب العفو لكم على تقدير وجود ذنب ولا يقتضي الغفلة اعرضوا الحال للعتبة السلطانية وكرروا ولا تماهلوا"
وفي نفس الوثيقة يشير المصدر السري، الذي يعمل لحساب الشيخ مبارك، والذي يمكن أن يكون وكيله في البصرة عبدالعزيز سالم البدر القناعي إلى أن سبب تجميع القوات العثمانية للهجوم على الكويت هو تحالف الشيخ مبارك مع الإنكليز ضد الدولة العثمانية، ويوضح أن الأتراك على قناعة أن الإنكليز لا يستطيعون مواجهة الجيش العثماني براً، بل يتفوقون عليه بحراً فقط. تقول الوثيقة: "نسمع ان سوق العسكر الى السماوة والناصرية واجتماعهم هناك بناء يمشون على الكويت وذلك بسبب موافقة شيوخ الكويت مع الانكليز. فأما الانكليز وان كانوا قويين في البحر لكنهم ضعيفين في البر ولا ينفعون الكويت من جهة البر بوجه من الوجوه، فإذا توجه العسكر الى الكويت بحرا فلا طاقة للعشائر وأهل الكويت بمدافعتهم، ولا تقابل دولة إلا دولة مثلها، ولا ينتج عن ذلك سوى تلف نفوس من المسلمين من الحضر والبادية." كما كتب الشيخ مبارك رسالة سابقة لذلك تاريخها 5 ربيع آخر 1319 هجري يفيد فيها المعتمد البريطاني بوجود مشير الفيلق السلطاني السادس، وهو القائد العسكري القوي، في البصرة وتنسيقه مع ابن رشيد ويوسف الإبراهيم، ليضع معهما خطة لإزالة حكم الشيخ مبارك. وهذا نص الوثيقة: "نعرض لحضرتكم العالية ان مشير بغداد موجود بالبصرة ومتفق مع ابن رشيد ومع الشقي يوسف الإبراهيم والمشير المذكور قاعد يعطيهم تعلومات بالكتابة الى استانبول والمشير يصدق ذكرهم الى استانبول من السبب أنهم عاطينه فلوس كثيرة وكون انه بوجود دولتكم ان ابن رشيد والشقي يوسف عاجزين عن مقابلتنا على هكذا حركات. حبينا نعرض لصوبكم العالي عن حركات المشير...ت سابق.". وكان المشير وكذلك والي البصرة قد كتبا إلى الشيخ مبارك في وقت سابق (بتاريخ 12 المحرم 1319) يؤكدان له أنهما يسعيان إلى منع القتال "ورفع المخاصمة بين المسلمين"، موضحين له "وصلت إليكم بعض الإشاعات والحال ان تلك الإشاعات لا أصل لها، لان التوجهات الملوكية باقية دائمة بحقكم، وصداقتكم وعبوديتكم الى الأعتاب السلطانية معلومة لدى حضرة أمير المؤمنين....". في الحلقة المقبلة سنذكر كيف أن ذلك لم يخدع الشيخ مبارك الذي أخذ بكل الأسباب للدفاع عن نفسه وعن الكويت.