لا توجد في الحياة صفة خالصة، لابد لكل صفة أن تقترن بصفة أخرى "لتؤنسها"، أي لتصبح صفة صالحة للاستعمال الآدمي!

Ad

لا صدق خالص على الأرض، ولا جمال خالص، ولا عدل، ولا حتى سوء خالص أو شر، الله وحده يملك صفاء هذه الصفات، فلم يسبق أن وجدت هذه الصفات خالصة في الحياة ولن توجد فيها.

كل الصفات الإيجابية والسلبية موجودة في كل شخص فينا، وكل ما نستطيعه هو أن نجتهد لنقرن صفة ما بصفة أخرى مناسبة للصورة الآدمية التي نريدها لأنفسنا، فينا مثلاً من يقرن القوة الكامنة فيه في الظلم الكامن فيه، وآخر يقرنه بالرأفة، وثالث يقرنه بالخوف، وغيره بالعدل أو حتى الغباء، وهذا ما يحدد صورتنا من الداخل، وهي في الواقع صورة الصفات بعد اقترانها ببعضها فينا، وهي ذاتها الصورة التي ستظهر للخارج ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

البعض يترك عملية اقتران في داخله للظروف وتجاربه الشخصية في الحياة، بينما البعض الآخر منا يعمل بنفسه جاهداً على اقتران الصفات فيه بغض النظر عمّا تحاوله الظروف، إيماناً منه بقدرته على رسم البورتريه الخاص به بيده.

كل شخص منّا قادر على رسم ملامحه الشخصية من الداخل كما يريد هو لا "كيفما اتفق"!

كل ما علينا فعله هو معرفة أبرز صفة فينا ومعرفة أبرز الصفات اقتراناً بها، فلربما كان اقتران هاتين الصفتين ببعضهما هو السبب في عدم الاستفادة من وجودهما فينا إيجابياً، وبالرغم من أن معرفتنا هذه بحد ذاتها لا تكفي، إلا أنها المفتاح الأول لفك "شفرتنا" السرية لأنفسنا، الخطوة التالية هي بذل كل ما في استطاعتنا لفك ذلك الارتباط المعطّل للصفة الإيجابية فينا، سواء تم ذلك بجهد ذاتي أو بمساعدة آخرين، أثناء ذلك علينا محاولة اقتران صفة أخرى بديلة بتلك الصفة الإيجابية المعطلّة، أي أن نقوم بعملية إحلال لنحصل على الفائدة المثلى لها لرسم صورتنا الإنسانية كما نريدها نحن.

معرفة الصفات المقترنة ببعضها فينا لا تمكننا فقط من معرفة أنفسنا، لكنها في ذات الوقت الوسيلة لقراءة الخارطة النفسية للآخرين وفك رموز سلوكياتهم.

كثير ما تصورنا أن الآخرين أو حتى نحن مصابون بالازدواجية، وكأنما ذلك عيب يجب تصحيحه، وفي اعتقادي أن هذه الازدواجية صفة إنسانية عامة نتيجة لوجود الصفات كلها رغم تناقضها فينا، ولكنا نختلف باختلاف اقتران هذه الصفات ببعضها في شخصياتنا، كل إنسان يحمل منا في داخله كل صفات الخير وكل صفات الشر، وتختلف آدميتنا باختلاف قدرة كل منا على نجاحه في إيجاد الصفة المكمّلة المناسبة لكل صفة فيه إيجابية كانت أم سلبية للحد الذي يمكّنه من جمال إنسانيته.

إذا أردنا أن نشكّل داخلنا بصورة إنسانية ترضي آدميتنا فعلينا بذل المزيد فيما يخص ارتباط صفاتنا الإنسانية ببعضها فينا، أظن أن الإنسان يمكنه إجراء عمليات تجميلية لملامحه من الداخل، مثلما استطاع  أن يجري مثل هذه العمليات على ملامحه من الخارج، وإن كانت في الأولى أكثر صعوبة وتعقيداً إلا أنها تستحق العناء.