بعد أكثر من عامين من الحصار القاسي، بدأ أمس مقاتلو المعارضة الخروج من حمص عاصمة الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، ووصلت الدفعة الأولى منهم إلى قرية الدار الكبيرة في الريف الشمالي لحمص، وهم يحملون أسلحتهم الخفيفة.

Ad

بدأت صباح أمس عملية خروج المقاتلين والمدنيين من الاحياء المحاصرة لنحو عامين في حمص، بموجب اتفاق غير مسبوق اشرفت عليه الامم المتحدة. ويتيح الاتفاق خروج 1200 مقاتل على الاقل من الاحياء المحاصرة للمدينة التي كانت تعد "عاصمة الثورة" ضد نظام الرئيس بشار الاسد، في مقابل ادخال مساعدات الى بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة في ريف حلب (شمال) والافراج عن مخطوفين لديهم.

وقال ابو الحارث الخالدي، وهو احد المشاركين في التفاوض على الاتفاق من جهة المعارضة: "قرابة الساعة العاشرة صباحا خرجت ثلاث حافلات تحمل على متنها 120 شخصا من احياء حمص القديمة"، موضحاً ان هؤلاء هم "من المدنيين والمقاتلين المصابين وغير المصابين"، وانهم "توجهوا الى بلدة الدار الكبيرة"، على بعد 20 كلم شمال حمص، التي يسيطر عليها "الجيش الحر".

وأكد محافظ حمص طلال البرازي "بدء خروج مسلحي حمص القديمة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الانباء الرسمية (سانا). وبث ناشطون معارضون شريطا مصورا قالوا انه لبدء عملية الخروج، حيث يظهر الشريط عددا من الرجال، بعضهم ملثم والآخر يضع قبعة على رأسه، وهم يسيرون في صف منتظم للصعود الى متن حافلتين خضراوين وقف بجانبهما عناصر من الشرطة السورية. وحمل بعض الخارجين حقائب على ظهورهم ورشاشات خفيفة، كما بدت في الشريط حافلة ثالثة، وسيارة رباعية الدفع تحمل شعار الامم المتحدة.

واكد ابو الحارث بدء وصول المقاتلين الى مقصدهم في الدار الكبيرة، في وقت اظهر شريط مصور بثه ناشطون على موقع "يوتيوب"، وصول المقاتلين الى "الريف الشمالي لحمص"، من دون تحديد المكان بدقة.

وأشار الناشطون إلى أنه سوف يتم إخلاء 1200 شخص من المسلحين والأهالي، وسوف تبقى فقط 6 عائلات مسيحية رفضت الخروج من حمص المحاصرة.

وبدأ مقاتلون ينزلون من حافلتين، قبل ان يصعدوا على متن شاحنتين صغيرتين من نوع "بيك اب"، وبدا احدهم يستند الى عكازين للمشي، في حين تجمع عدد من المقاتلين في البلدة على متن دراجاتهم النارية.

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان 222 مقاتلا على الاقل وصلوا الى الدار الكبيرة.

ويأتي الاتفاق بعد مفاوضات بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة، يفترض بموجبه ان تدخل القوات النظامية الاحياء المحاصرة بعد انتهاء عملية خروج المقاتلين. ولا يشمل الاتفاق حي الوعر الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في مدينة حمص. ويقع الحي الذي يقطنه عشرات الآلاف غالبيتهم من النازحين من احياء اخرى، في جوار احياء حمص القديمة.

ونقلت "سانا" عن البرازي قوله انه "بالتزامن مع عملية خروج المسلحين من المرجح ان تبدأ عملية التسوية والمصالحة لجعل مدينة حمص خالية من السلاح والمسلحين".

وفي حال خلو المدينة من مقاتلي المعارضة، يكون الجزء الاكبر من محافظة حمص بات تحت سيطرة القوات النظامية، باستثناء بعض المعاقل في الريف الشمالي مثل تلبيسة والرستن.

وتعد مدينة حمص ذات رمزية كبيرة في الاحتجاجات ضد النظام السوري، وشهدت العديد من التظاهرات ضده منذ منتصف مارس 2011. واستعاد النظام غالبية احياء المدينة عبر حملات عسكرية عنيفة، ادت الى دمار كبير ومقتل نحو 2200 شخص منذ بدء الحصار في يونيو 2012، بحسب المرصد السوري.

ويضع الاتفاق عمليا حدا للمعارك في مدينة حمص، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والتي اعتبرتها المعارضة السورية والدول الغربية "مهزلة".

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: "هذه هزيمة للمجتمع الدولي وليست انتصارا للنظام. ثمة صمود اسطوري في حمص رغم سنتين من الحصار"، وأضاف: "رغم ذلك لم يفعل المجتمع الدولي اي شيء"، معتبرا ما يجري "انتصاراً اعلامياً للنظام لأن لحمص رمزية مرتبطة بالثورة السورية".

ونقل ناشطون ألماً في صفوف المقاتلين الذين غادروا المدينة. وقال ناشط في بلدة تيرمعلة في ريف حمص التي انتقل اليها بعض المقاتلين الذين خرجوا من حمص، ان هؤلاء "جائعون" و"يشعرون بالغصة".

ونقل الناشط عن أحد المقاتلين قوله: "احسست بأن روحي خرجت من جسدي وأنا انظر الى حمص اثناء مغادرتها".

«حرب الجهاديين»

وعلى صعيد حرب الجهاديين، شهدت محافظة دير الزور أمس موجة جديدة من النزوح مع استعار المعارك بين "جبهة النصرة"، الفرع لرسمي لتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

وبحسب التقارير المحلية، فقد استقدم الطرفان تعزيزات جديدة الى المنطقة ما يوحي بأن المعارك ستتواصل في الايام المقبلة، رغم إعلان "النصرة" امتثالها المشروط لطلب زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري وقف القتال بين "الجهاديين" وإجراء تحكيم شرعي.

وأشارت التقارير إلى أن حركة النزوح تصاعدت بعد الأنباء عن ارتكاب "داعش" مجزرة وحشية في بلدة جديد عكيدات، ما دفع أهالي المنطقة الى النزوح باتجاه العراق عبر نهر الفرات.

الجربا

الى ذلك، بدأ رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا أمس لقاءاته في العاصمة الأميركية واشنطن، حيث أجرى مشاورات مع قادة "الكونغرس" أمس، على أن يلتقي اليوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل ووزير الخزانة الأميركي. وسيستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما الجربا خلال مطلع الاسبوع المقبل كما أفاد البيت الأبيض أمس.

وكانت الخارجية الأميركية استبقت الزيارة بإعلانها اعتراف واشنطن بمكتب تمثيل المعارضة السورية في الولايات المتحدة كبعثة أجنبية من دون حصانة، كما أعلنت عن إجراءات، منها دعم المعارضة بأسلحة غير فتاكة بقيمة 27 مليون دولار، إلا أن "الخارجية" أكدت في الوقت نفسه ان واشنطن ليست لديها خطط سرية لتسليح المعارضة السورية بالاتفاق مع السعودية.

وقال الجربا أمس في كلمة أمام مركز دراسات في واشنطن إن قوات المعارضة تحتاج الى «اسلحة فعالة لمواجهة هجمات (النظام) التي تشمل غارات جوية»، مشدداً على أنه «لا بد من تغيير موازين القوى على الأرض حتى يتم الحل السياسي».

واذ اقر بأن هناك صعوبات أمام تسليح المعارضة، رأى الجربا أن «ترشح الأسد للانتخابات على جثث السوريين ينهي الحل السياسي للأزمة»، ومؤكداً أن رحيل الأسد «سينهي 75 بالمئة من مشكلات سورية فوراً».

(دمشق، بيروت ، واشنطن ــأ ف ب، رويترز، كونا، د ب أ)