بالنظر إلى تسيّد أحداث المشهد السياسي المتفاعلة والملتهبة في الكويت على ما دونها من أحداث، وتركيز الإعلام المقروء والمسموع والمرئي على ملاحقة الحدث السياسي وتبعاته اقتصادياً واجتماعياً، واتصال ذلك باهتمام ومتابعة شرائح كبيرة من المجتمع الكويتي، فإن نواحي كثيرة في حياة المجتمع الكويتي تأثرت وتوارت مبتعدة، وما عادت حاضرة في المشهد الإعلامي بما تستحق من عناية واهتمام. ومؤكد أن الثقافة في الكويت أصابها سهم كبير من ذلك، وارتسم السؤال كبيرا داخل وخارج الكويت: لماذا تتراجع وتنكفئ الحركة الثقافية في الكويت؟ وأين الكويت، منارة الخليج، من دورها الريادي في المنطقة، وفي وصلها العربي؟

Ad

إن تشخيص الأسباب الموضوعية وراء انكفاء ونكوص الحركة الثقافية في الكويت، ممثلة بالمؤسسة الرسمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والمؤسسة الأهلية، رابطة الأدباء الكويتيين، بحاجة إلى بحث مطول، وهذا المقال ليس بصدده، لكن ما يجب التنبيه إليه هو أن المبدع الكويتي، كاتباً وفناناً، استطاع انتشال نفسه ومقاومة النكوص الثقافي، والنفاذ بكتاباته وفنه وفرضهما على الساحة المحلية والخارجية، وليس أدل على ذلك من الجوائز والاهتمام الذي يحظى به الإبداع الكويتي في محيطه الخليجي والعربي.

لقد استطاع الجهد الفردي، بعيدا عن المؤسسة الرسمية والأهلية، أن يقدم وجهاً مشرقاً لهمة وإصرار المبدع الكويتي. ووقوفاً رصيناً ومنصفاً أمام المشهد الأدبي والفني على الساحة الثقافية الكويتية، يقدم أدلة مقنعة على جهد الشباب الكويتي، وسعيه المتفاني لتقديم الجديد، وإثبات نفسه.

إن الراصد لحركة النشر الكويتية في السنوات الأخيرة، يرى صدور مجاميع قصصية وروايات ودواوين شعر بعدد كبير، لدرجة يصعب معها متابعته بما يستحق من رصد وتأمل. وإذا كان البعض يرى أن عدداً من هذه الإصدارات بائس وبعيد عن السوية الفنية، فإنني ومنذ سنوات طويلة أشجّع وأقف إلى جانب الجيد واللافت من هذا الإبداع، وأشد على يد الشباب الكويتي السائر على درب العطاء، وتشهد هذه الزاوية على كتابات دائمة أنوّه من خلالها إلى كاتبة أو كاتب، أرى أنه موهبة تبشر بخير. وكم يطيب لي أن أشهد تصاعد نجم شباب كانوا في الأمس بذرة طيبة، وهم اليوم كتّاب يخطون بثبات على درب الكتابة والعطاء.

إن زيارة واحدة لمعرض الكويت للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين، خلال الفترة من 20 إلى 30 الجاري، ووقوفاً عابراً أمام دور النشر الكويتية، وتحديداً الدور المؤثرة، مسعى وبلاتينيوم ونوفابلس، يقدم دليلاً واضحاً على صحة ما أقول، سواء بعدد الواقفين لشراء الكتب، أو بعدد الكتب المنشورة للكاتب الكويتي والخليجي الشاب، أو بقدرة هذه الدور على لفت انتباه القارئ الكويتي والعربي، وجهدها وقدرتها الأهمين على احتضان أسماء غضة لشباب جميل يطمح أن يكون له شأن في القادم من الأيام. وليس أقل من أن نحيّ هذه الدور، ونشدّ على تفانيها الثقافي، وجهدها المخلص للأدب، وعشقها للوطن بطريقة راقية، بعيدة عن الادعاء، وبعيدة عن التظاهر الكاذب، ونقول لهم بصوت عالٍ وبمحبة: مرحى، مرحى، مرحى!

لقد كان الإبداع على مرّ العصور قادراً على النجاة مما يحيط به من أوضاع اجتماعية واقتصادية بائسة، وكان الأديب المبدع، خير صوت معبّر لما هو دائر، ومؤكد أن الكاتب والفنان الكويتي ليس باستثناء عن ذلك. فلقد استطاع الوضع السياسي خلال السنوات القليلة الماضية سحب البساط من تحت أنشطة كثيرة، لكن همة الكاتب الكويتي، وتحديداً الشاب، كانت أقوى من أن تتأثر، وربما كان هذا الوضع، في الصميم من بعض الكتابات القصصية والروائية.

معرض الكويت للكتاب بات موعداً مع التفاؤل للكاتب والمتابع، وما أجمله من موعد!