جورج خباز: «غدي» يدعو إلى تقبّل الآخر

نشر في 23-10-2013 | 00:02
آخر تحديث 23-10-2013 | 00:02
منذ عشر سنوات انطلق مسرحه الكوميدي الاجتماعي الساخر، تحدث بلغة الناس وإلى الناس، فنقل واقعًا اجتماعياً مريراً وعكس وجعًا إنسانيًا عميقاً.
المؤلف والممثل والمخرج جورج خباز الذي يطلّ على جمهوره سنوياً من على خشبة المسرح، سيحاكيهم نهاية هذا الشهر في فيلمه السينمائي «غدي»، الأول تأليفاً والثالث تمثيلا، إخراج أمين درة، إنتاج talkies.
عن فيلمه الجديد ومسرحيته المرتقبة والرسالة الإنسانية التي تحملها أعماله يتحدث إلى {الجريدة}.
هل فيلمك {غدي} نقطة تحول في مسيرتك من المسرح إلى السينما؟

أعتبر أن المسرح أعلى مرتبة في فئة التمثيل، لكن للسينما جمهورها وعالمها الخاص ونطاقها الذي أحبه أيضاً وأرغب في تجربته، إنما ليس للانتقال من المسرح إليه، بل لأنه يخطر ببالي، من حين إلى آخر، تقديم فيلم سينمائي يستوفي الشروط العالمية ويكون شعبياً، في الوقت نفسه، وأعتبر {غدي} كذلك.

هل سنرى مسرح جورج خباز في السينما؟

أبدًا، فلكل منبر خصوصيته. تختلف السينما تقنياً عن المسرح على الصعيد الكتابي، لذلك سيرى الناس في فيلمي السينمائي أسلوباً كتابياً جديداً بروحية جورج خباز المسرحية.

ما سبب هذا الشغف والحماسة تجاه الفيلم؟

يحمل {غدي} رسالة إنسانية سامية، تنطلق من وجعنا المرتكز على عدم تقبلنا لاختلافاتنا، وهو سبب رئيس لحروبنا وأزماتنا في العالم العربي تحديداً، فإذا كنا غير قادرين على تقبل انسان خلقه الله مختلفاً في الشكل عنّا، فكيف سنقبل إنساناً من غير معتقد أو دين أو سياسة أو حزب أو فكر. من هنا يرمز {غدي} إلى الاختلافات الإنسانية، ويحكي عن نضال أب ليتقبل الناس ابنه ذي الحاجات الجسدية الخاصة، محاولا إظهار أن لكل انسان حاجاته الخاصة وإن كانت غير جسدية.

كيف ستعالج هذه الرسالة؟

رغم أن واقع الفيلم مرير لكنه مُعالج بطريقة كوميدية ساخرة، تنطلق من نظرة المجتمع المتخلّفة تجاه المختلف، لذا أنا متحمّس رغبة مني بأن تصل رسالتي إلى أكبر عدد ممكن من الناس.

قدمت طابعاً انسانياً، في وقت يطغى الطابع التجاري على غالبية الأفلام السينمائية اللبنانية، ما السبب؟

لا اعتبر أن تقديم فيلم سينمائي تجاري أمر غير صائب، إنما يمكن تسميته حلقة تلفزيونية معروضة عبر الشاشة الكبيرة. أمّا {غدي} فيحمل مقومات النجاح كافة، لأنه شعبي أي تجاري ويحمل، في الوقت نفسه، قيمًا إنسانية وفنية. برأيي، قلة استطاعت في أعمالها الفنية، سواء سينمائية أو مسرحية أو تلفزيونية، تحقيق هذه المعادلة الصعبة.

تركّز في أعمالك على تقبل الآخر المختلف، سواء اجتماعياً أو دينياً لماذا؟

إنها مشكلتنا الإنسانية الجوهرية، لذلك يجب معالجة المرض المتفشي بجسد مجتمعاتنا العربية والاستمرار في المعالجة حتى الامتثال إلى الشفاء منه.

ألم تكن قصة {غدي} ملائمة لتقديمها على المسرح؟

 

كلا، لأن حبكة القصة ومعالجتها لا تصلح للمسرح، بل تصل بأفضل صورة من خلال السينما، خصوصاً أننا صوّرنا في مواقع عدّة، ويضمّ فريق العمل 90 شخصاً بين ممثلين وفنيين.

اعتاد مسرحك أن يُضحك الجمهور، فهل سيبكيه فيلمك؟

ينطلق الفيلم من واقع مرير، لكن المعالجة كوميدية تحمل تأثيرات إنسانية مثلما يحصل عادة في مسرحي. إنما لم نقدم ميلودراما ولم نستغل عواطف الناس ليتأثروا ويبكوا، بل ترجمنا الواقع واعطيناه أبعاداً أخرى.

يهتم الناس بهذه المواضيع سواء اكتفينا بقشورها أو دخلنا إلى عمقها، لأننا جميعنا نحاول، في النهاية، أن نكون أناساً طيبين. لذلك أتوقع أن يستفزّ هذا الموضوع صراعنا الداخلي بين الخير والشر.

كان يُفترض ترشيح الفيلم للاوسكار، فماذا حصل؟

اختارت اللجنة الاستشارية في وزارة الثقافة اللبنانية والمؤلفة من كبار الأساتذة في السينما والكتابة والأدب، فيلم {غدي} من بين الأفلام اللبنانية المرشحة ليشارك في الأوسكار، فيما احتلّ {قصة ثواني} المرتبة الثانية. إنما تأجل عرض {غدي} من 26 سبتمبر إلى أواخر اوكتوبر بسبب انفجاري الرويس وطرابلس وما رُوّج عن تهديدات بتفجير مناطق أخرى، وبذلك لم نعد نستوفي شروط العرض، لأن قانون الأوسكار يفرض عرض الفيلم سبعة عروض تجارية قبل نهاية سبتمبر. فقررت اللجنة بالتزكية إرسال {قصة ثواني} على أن نشارك نحن في العام المقبل.

بطل الفيلم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فكيف تم اختياره؟

أجرينا {كاستينغ} في الجمعيات التي تُعنى بمثل هذه الحالات، وتم اختيار إيمانويل لأنه طفل يفرض نفسه على الآخرين، بحضوره وموهبته وقدرة استيعابه القوية، فشكل رسالة إضافية مفادها أن هؤلاء الأطفال قادرون على أن يكونوا فاعلين في المجتمع، والدليل أن أحدهم بطل سينمائي.

لاحظنا عدم تنظيم حملة ترويجية للفيلم، فما السبب؟

بدأنا الترويج في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر التلفزيون، على أن نبدأ الترويج إذاعيًا وعلى الطرقات قريباً.

هل رُصدت موازنة إنتاجية ملائمة للفيلم؟

نشكر شركة الإنتاج talkies  التي خصصت مليون ونصف مليون دولار لإنتاج الفيلم، وهو مبلغ لا يُعتبر متواضعاً على صعيد إنتاج فيلم سينمائي لبناني، فنال حقه إنتاجياً وسيظهر ذلك جلياً في العرض.

تغامر بتقديم أعمالك الفنية في ظل اللاستقرار في لبنان والدول العربية، فعلام تراهن؟

يمرّ لبنان، منذ سنة 1975 بأزمات، فلو استسلمنا لكان البلد انتهى. يقول لي الناس في الخارج إنهم يحتارون في ما إذا كان لبنان بلد حرب ودمار وسلاح أم بلد الفن والأدب والإبداع، فهم يتابعون الأخبار الأمنية المخيفة في حين يتعرفون إلى مبدعين لبنانيين. لذلك لا يمكن أن نستسلم للأوضاع السلبية في البلد، بل نحقق توازناً معيناً لتبقى صورة لبنان إيجابية.

منذ 2004 أقدم أعمالا مسرحية، رغم المصائب الوطنية التي تواجهنا، وأنا مصرّ على السير عكس الموجة لتحقيق النجاح، خصوصًا أن الجمهور اللبناني يتحدى الظروف في وعيه ولاوعيه عبر دعمه الأعمال الفنية ومشاهدتها.

كيف تقرأ الحركة الفنية الناشطة في لبنان على صعد المسرح والسينما والدراما؟

إنها دليل صحة، خصوصاً أنها تحمل تنوعاً، إذ يصب كل فيلم وعمل في إطار مختلف عن الآخر. ما يميز {غدي} أنه لا يتحدث عن قصة حب أو عن الحرب ومخلفاتها.

يشارك في الفيلم ممثلون معتكفون مثل منى طايع وأنطوان ملتقى وكميل سلامة، ما سبب اختيارهم وكيف اقنعتهم بالعودة إلى الشاشة؟

إنهم أصدقائي، لذلك اخترتهم. ثم آمنت بالنص وبقدرته على جذب انتباههم، فقرأته لهم ووافقوا. منى طايع تأثرت وبكت. أنطوان ملتقى الذي كان رافضًا رفضاً قاطعاً التمثيل، وافق بسبب قضية الفيلم ومحبته لي وإيمانه بعملي، فيما وجد كميل سلامة النص ملائماً لما يبحث عنه.

ما شعورك تجاه هذه الثقة؟

شرف كبير لي، ويفرحني أن هؤلاء الزملاء الذين أعطوا من ذاتهم لتاريخ الفن المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، قبلوا المشاركة معي، خصوصاً بالنسبة إلى أنطوان ملتقى الذي تابعت أعماله منذ نعومة أظفاري، فتأثرت عندما وافق وأيقنت بأن مسيرتي صحيحة لأنه قبل المشاركة معي.

هل من قرار لتسويق الفيلم في الدول العربية؟

طبعاً، وثمة قرار لتسويقه في الدول الغربية أيضاً.

ألا تختلف نوعية العمل وفق موازنة الإنتاج؟

يتقرر مستوى الإنتاج وفق متطلبات العمل وليس العكس.

هل من مشاريع درامية تلفزيونية تأليفاً أو تمثيلا؟

كلا في الوقت الحالي.

ما السبب؟

بعد تقديم السينما والمسرح، لا يرغب الفنان بتقديم عمل تلفزيوني، إلا إذا تضمن قصصاً فنية قيّمة، فيصبح الاختيار أدقّ.

مسرح

متى انطلاق مسرحيتك الجديدة وما هي رسالتها؟

في نوفمبر، تتمحور حول صراع الأجيال واتهام الجيل الجديد سلفه بأنه متقاعس وراضخ وأوصلنا إلى هذا الحاضر. فيما يوضح الجيل القديم أنه حاول لكن الظروف كانت أقوى على الصعد السياسية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.

من الممثلون الذين سيشاركون في المسرحية؟

لورا خباز، سينتيا كرم، جوزف أصاف، غسان عطية، جوزف سلامة، بطرس فرح، عمر ميقاتي ووسيم التوم.

هل سنشهد إعادة إحياء للحركة الثقافية الفنية، برأيك؟

نحاول إعادة إحيائها، وأنا شخصيًا مستمر في محاولتي هذه منذ عشر سنوات، عبر تقديم أعمال مسرحية سنوية متتالية وناجحة. أرجو أن أحثّ كثيرين على إعادة إحياء هذا الإرث الثقافي الوحيد المتبقي في لبنان.

كيف تفسّر النجاح المستمر من عمل مسرحي إلى آخر ونسبة الحضور المرتفعة طيلة أشهر عرض المسرحية؟

أعزو ذلك إلى أسباب عدّة، أولها أن الأعمال التي أقدمها لا تستخفّ بعقل الناس، فلا نعتمد أي فكرة ابتزازية أو أي تهريج، بل نحمل رسالة معينة، فضلا عن أن أعمالي تستوفي الشروط الفنية والقيمة الفنية والإنسانية والكوميدية، فنعبّر صراحة عن رأي الناس ليسمعوا لغتهم وقصصهم ونترجم أفكارهم، ويعكس هذا المسرح مرآة ذاتهم، وهذه أمور أفتخر بها لأن هذا دور المسرح الحقيقي.

إنتاج أعمالك المسرحية متواضع، هل عن قناعة منك أم تبحث عن موازنة أكبر لها؟

مضمون المسرح هو الأهم وكل ما تبقى مجرد قشور. فإذا نظرنا إلى الأعمال الفنية التي بقيت على الصعيدين العربي أو الغربي، نرى أن مضمونها سبب بقائها وليس ديكورها والأكسسوارات.

back to top