الحصيلة التي خرجت بها من مشاركات وأوراق عمل في عدد من المؤتمرات عبر الساحة الخليجية أخيراً، هي وجود قلق متزايد خليجياً على مستوى المثقفين والسياسيين والأفراد العاديين تجاه مستقبل الخليج في ضوء تحولات السياسة المتسارعة، الإقليمية والدولية، التي تشهدها المنطقة، بعد التقارب الغربي الأميركي مع إيران والذي مهد له قبل شهور عدة عبر الشقيقة عمان، وأثمر اتفاقية نووية بين إيران والقوى الكبرى.
القمة الخليجية في الكويت أبدت ارتياحها للاتفاقية كما رحبت برغبة إيران في فتح صفحة جديدة مع الخليج. إيران بدورها بعثت وزيرها الباسم لطمأنة الخليج.والأميركيون والغربيون هبطوا إلى المنطقة ليؤكدوا التزامهم بأمن الخليج مطمئنين الخليجيين بأن الاتفاق المرحلي لمصلحة الجميع.القمة الخليجية الـ"34" في الكويت خرجت بقرارات نوعية كإنشاء القيادة العسكرية الموحدة، وإنشاء أكاديمية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، وجهاز للشرطة الخليجية (الإنتربول الخليجي)، وكلفت الأمانة العامة بزيادة التواصل بالمثقفين الخليجيين لاستطلاع مرئياتهم بشأن مسيرة المجلس، وكل هذا أسهم في توفير الطمأنينة والثقة لدى الخليجيين في مستقبل المنطقة ومستقبل الأجيال القادمة، لكن التساؤلات القائمة التي ظلت بدون إجابات شافية، هي:1- هل الالتزام الإيراني بالاتفاقية النووية، هذه المرة، التزام جدي وحقيقي، وعن قناعة من القيادات الإيرانية بأن الشفافية والوضوح في برنامج إيران النووي هما جواز العبور إلى بناء المصداقية والثقة الدولية، خصوصاً أن إيران تعلن لأول مرة صراحة بأنها "لن تسعى للحصول على أسلحة نووية أو تطويرها" مع احتفاظها بحقها بالتخصيب المشروع دولياً للطاقة السلمية؟ ما الذي يضمن لنا أن إيران لا تناور كما ناورت من قبل ولا تستخدم "التقيّة السياسية" التي تجيدها بمهارة، للافراج عن أرصدتها المالية المقدرة بمئة مليار دولار والمجمدة في المصارف الغربية، ولتحسين صورتها الخارجية ودعم نفوذها في المنطقة واكتساب مواقع جديدة؟ إن السوابق الإيرانية حتى في عهد الإصلاحييّن مثل رفسنجاني وخاتمي لم تكن إيجابية، ما الذي يطمئننا على قدرة الرئيس روحاني على مواجهة المعسكر الرافض لأي انفتاح على أميركا والغرب ودول الجوار؟ ما الذي يضمن أن جولة الوزير الإيراني الباسم ليست من قبيل توزيع الأدوار بين الانفتاحيين والإنغلاقيين، وهي سياسة تعودنا عليها من الإيرانيين؟ إننا بحاجة إلى أكثر من التصريحات الايجابية والنوايا الطيبة لبناء الثقة بيننا وبين إيران، إننا بحاجة إلى اتفاقية بين الخليج وإيران يحترمها الطرفان وبضمانات دولية.2- القمة الخليجية الـ"34" في الكويت، رحبت بالاتفاق النووي المرحلي مع إيران، كما أن الخليجيين سبق أن أيدوا حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وحقها في التخصيب المشروع والمراقب دولياً، لكن قلق الخليجيين ومخاوفهم مازالت مستمرة من احتمال التسرب النووي إلى مياه الخليج، خصوصاً أن مفاعل "بوشهر" على خط الزلازل، ولم تقدم إيران للخليجيين ما يطمئنهم حول مستقبل هذا المفاعل ومدى تحصينه ومقاومته للزلازل. ومن ناحية أخرى، من حق الخليجيين أن يتساءلوا: إذا كانت إيران تسعى إلى حسن الجوار وهي تبدي النوايا الطيبة وتريد أن تنفتح على الخليجيين فما حاجتها إلى هذا الإنقاق الهائل على التسلح والذي وصلت ميزانيته إلى 27 مليار دولار؟! ولماذا هذا الجيش البالغ عدده 3 ملايين إيراني بين مجند ونظامي؟ الخليجيون ليسوا أهل عدوان ولم يفكروا يوماً في المساس بحدود إيران كما أنهم لم يتدخلوا يوماً في شؤون إيران الداخلية، فلماذا إذاً كل هذا التسلح والجيش العرمرم، وإلى من توجه إيران جيشها وأسلحتها؟ الخليجيون لا يخشون من "نووي" إيران وهم على يقين أن إيران لن تستخدم هذا السلاح ضدهم، لكنهم يعتقدون أن إيران النووية ستكون أكثر هيمنة واستعلاءً وتدخلاً في شؤونهم الداخلية، فهم يرون إيران اليوم، وهي محاصرة بالعقوبات وبلا نووي، متوغلة في عمق البيت العربي تزرع الخراب وتغذي الانقسام وتمول الوكلاء وتسلحهم، فكيف إذا أصحبت نووية؟!3- إلى أي مدى سيتغير السلوك الإيراني الخارجي، بعد رفع الحصار وتخفيف العقوبات وتوفر السيولة النقدية وانفراج الضائقة الاقتصادية؟ هل ستصبح إيران دولة طبيعية مثل بقية دول العالم منفتحة على جيرانها وعلى المجتمع الدولي تساهم في أمن واستقرار المنطقة والعالم؟ هل ستكف عن تدخلاتها في شؤون المنطقة العربية وتقطع تمويلها عن وكلائها وعملائها؟ هناك وجهة نظر عربية وخليجية قوية ترى أن هذه الصفقة النووية وما يترتب عليها من رفع العقوبات عن إيران، ستعطي إيران المزيد من الحرية في دورها الإقليمي الساعي للنفوذ والتمدد والتدخل في المنطقة العربية، خصوصاً بعد توفر السيولة النقدية لديها، وكما يعبر د.عبدالله الشايجي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، في حوار مع "الوطن الكويتية"، بقوله: لو امتلكت إيران، النووي، كارثة، وإذا لم تمتلك سيسمح لها بدور أكبر لم يكن مسموحاً لها من قبل، يعني "الحسبة مخربطة"... ترى هل ستكف إيران عن سياسة الهيمنة الاقليمية بعد رفع الحظر الاقتصادي والبترولي عنها، لتلتفت إلى بناء وإصلاح بيتها الداخلي وتحقيق آمال شعبها في حياة حرة وكريمة مثل الحياة التي يعيشها الخليجيون، جيرانهم على الضفة الأخرى؟ المرجع الأعلى (السيستاني) بعث برسالة إلى المرشد الأعلى، يحثه على طمأنة العرب بعد تعاظم مخاوفهم من استقواء إيران عليهم، بعد الاتفاق النووي، خصوصاً في الشأنين السوري واللبناني، فهل سيكون لها صدى؟4- طالب وزير الخارجية القطري د.خالد العطية، على هامش "حوار المنامة" بحق دول المجلس في أن يكون لها مكان على طاولة المفاوضات النووية مع إيران، لأنهم شركاء أساسيون في الاستقرار الإقليمي، كما طالب الأمير تركي الفيصل بمشاركة الخليج في الاتفاق النهائي مع إيران، وأتصور أنها مطالب مشروعة تسهم في طمأنة الخليجيين على مستقبل المنطقة.5- وأخيراً، إذا كانت إيران تسعى إلى الانفتاح على الخليج، فلابد لدولنا أيضاً أن تسعى إلى الانفتاح على إيران: شعباً وثقافة وإعلاماً ولغة وجامعات ومعاهد بعثية وأحزاباً سياسية، وزيارات سياحية، فذلك مما يساهم بحسن التفاهم وزيادة التقارب بين شعوب المنطقة، كما يساعد على احتواء المشكلات وإنهاء التوترات، علينا أن نتفهم كيف تفكر إيران؟* كاتب قطري
مقالات
الخليج وإيران... مخاوف ومطالب مشروعة
23-12-2013