"الخصخصة" تعبير اقتصادي يمثل أداة من أدوات تحسين الاقتصاد في أي دولة أو إقليم بهدف تحقيق تطور  اقتصادي وتحسين الخدمات العامة لتحقيق الرفاه للمجتمع ككل، هذا باختصار فهمي لـ"الخصخصة" التي تعني تقنياً بيع المرافق العامة أو أملاك الدولة جزئياً أو كلياً للقطاع الخاص أو المختلط المحلي أو الدولي، وفق الشروط والمواصفات التي تضعها الدولة، والتي تحفظ حقوق المجتمع وتحقق المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية بأكبر قدر ممكن.

Ad

تجربة "الخصخصة" حققت نجاحات باهرة في دول "العالم الأول" التي تتوافر فيها حماية المستهلك ومنع الاحتكار وضبط الجودة ضمن تشريعات صارمة وديمقراطية حقيقية ونسب فساد محدودة جداً، بينما فشلت بشكل كبير في دول "العالم الثاني والثالث" واختلطت مع الفساد وأدت إلى انهيار اقتصادات في دول مثل الأرجنتين وآيسلندا وغيرهما، وقادت كذلك إلى ثورات وكوارث اجتماعية، كما حدث في مصر وأوكرانيا وغيرهما.

وفي الكويت فإن تجارب "الخصخصة" كشفت عن خدعة كبيرة منذ أن بدأت في محطات الوقود التي ظلت على حالها في مجال الخدمات بعد بيعها للقطاع الخاص، والتغيير الأبرز الذي حل عليها هو تخلصها من العمالة الوطنية واستيرادها لمزيد من العمالة الوافدة شديدة الكلفة الاجتماعية والخدماتية على الدولة.

وفي مجال التعليم الخاص، فإنه تحول إلى مرفق ذي شهية متوحشة للربح، وهو يقدم في أغلب الأحيان التخصصات الأدبية قليلة الكلفة لمنح مزيد من الشهادات لأصحاب الوظائف المكتبية، والنقل العام الخاص مشكلة كبيرة وهو عبارة عن حافلات خردة تزيد الزحام والتلوث، وتنفث الدخان وتتوقف في وسط الطريق لتحميل الركاب دون محطات خاصة فيها، في تجربة ليس لها مثيل حيث هناك أكثر من شركة واحدة للنقل العام في مدينة واحدة!

والواجهات البحرية لمشاريع الـB.O.T تحولت إلى خرائب تملؤها القطط والأوساخ والمقاعد الخربة، ولا يوجد حتى ملاحظ أو مراقب يمنع من يرمي المخلفات فيها، ودون أي تطوير لها، بينما نجد في الخارج أن المستثمر يغسل واجهاته البحرية يومياً بالماء والصابون ويعتني بأدق تفاصيل الخدمات العامة والترفيهية، في حين أن جل اهتمام المستثمر عندنا هو جمع الإيجارات دون أي تطوير أو تحديث.

كما  أن ما يخطط له من تحويل قطاعات في وزارة الصحة إلى القطاع الخاص هو مشروع انتكاسة جديدة لذلك القطاع الحيوي، لاسيما بعد تجربة السماح للمكاتب الخاصة بجلب الهيئات التمريضية وما نتج عنه من تدهور مستوى الممرضات والممرضين بسبب ضعف تأهيل الذين تم جلبهم، بسبب كل ذلك فإن مشاريع "الخصخصة" في الكويت أفضت إلى خدعة كبيرة في الغالب كانت نتائجها مخيبة في ما عدا استثناءات محدودة، وهو ما يتطلب مراجعة جميع التشريعات والضوابط التي تنظمها.

***

مشروع الوقود البيئي الذي أرسيت مناقصاته مؤخراً بما يزيد على 3 مليارات دينار (11 مليار دولار أميركي) هو مشروع جديد من المشاريع المليارية المتتالية في البلد التي ترسى دائماً على شركات عائلية أو فردية، بينما تقف دائماً الشركات المساهمة العامة والمدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية موقف المتفرج من المشاريع التنموية  المليارية - ربما بفعل متعمد - بينما نشهد في أسواق المنطقة من حولنا أن الشركات المدرجة تحصل على نصيب الأسد من المشاريع المليارية التنموية مثل "إعمار" و"لوسيل" وغيرهما.

لا نعلم لماذا تتصدر الشركات العائلية والفردية وحدها المشاريع المليارية في البلد؟ ولماذا لا تشجع هيئة الاستثمار الشركات المدرجة التي تمتلك حصصاً فيها على دخول مثل تلك المناقصات عبر تحالفات إقليمية وعالمية؟ ولماذا لا تخصص مؤسسة البترول الكويتية واحدة على الأقل من تلك المناقصات المليارية للشركات المساهمة العامة المدرجة من قبيل مسؤولياتها الوطنية – الاجتماعية في دعم الاقتصاد الوطني وتوسيع الاستثمار لجميع فئات الشعب عبر دعوة تلك الشركات بشكل محدد لمناقصات مخصصة لهم، ولا نعلم  كذلك سبب إحجام من يسيطرون على الشركات المدرجة في المنافسة على تلك المناقصات الكبرى؟ كلها أسئلة مستحقة يجب أن تجاوب عنها الحكومة ومجلس الأمة.