القاهرة أول مدينة مضاءة في تاريخ البشرية، حقيقة ذكرتها كتب التاريخ المنسية، لكنها لا تعكس واقع تحول أكبر مدن العرب إلى مدينة تعانق الظلام ساعات طويلة كل ليلة.

Ad

تكرار حالات انقطاع الكهرباء صارت ظاهرة مستقرة في الوجدان الشعبي مع وعود حكومية بعدم حل الأزمة إلا بعد سنوات، في ظل انهيار منظومة الإنارة في القاهرة والمحافظات المصرية بصورة جعلت انقطاع الكهرباء طقساً يومياً.

يتكلم التاريخ فيكذبه الواقع، تنطق الكتب فيسكتها لسان حال المواطن. الدولة الفاطمية في عصر الحاكم بأمر الله في مطلع الألفية الثانية قررت إضاءة شوارع القاهرة وأزقتها، لكن الحال مع مطلع الألفية الثالثة اختلف كليا، القاهرة المعزية تغرق أحياؤها في ظلام دامس ساعات طويلة في شهر الصيام بلا أضواء الزينة المعتادة، الحكومة أعلنت إجراءات مشددة لمنع تعليق مصابيح الإنارة التي اعتاد أهالي القاهرة تعليقها في شوارع الأحياء الشعبية احتفالاً بشهر رمضان، منذ أيام المعزّ لدين الله الفاطمي.

إذا قُدر للخديوي إسماعيل زيارة القاهرة الخديوية فلن يعرفها، فحلم التنوير الذي أطلقه في منتصف القرن التاسع عشر لتحويل القاهرة إلى باريس الشرق لم يعد له وجود، مجرد أطلال توحي بحلم لم يكتمل، خاصة أن مشروعه لإنارة القاهرة والذي أسنده إلى الشركة الفرنسية ذاتها التي تتولى إنارة مدينة "النور"، ضاع بعدما غرقت القاهرة في العشوائية و"الظلام"، سرعان ما كرست لانقطاعات دائمة للتيار الكهربائي.

التضارب بين الحاضر والتاريخ حاصل، فبينما اعترف المتحدث باسم وزارة الكهرباء، محمد اليماني، في تصريحات إعلامية، بعدم قدرة الوزارة على توفير الكهرباء، مؤكداً أن مواعيد انقطاع التيار الكهربائي ستنتظم قبل الإفطار وأثناء السحور، قال أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، الدكتور أيمن فؤاد سيد لـ"الجريدة"، إن القاهرة عرفت الإنارة في شكل احتفالي مع قدوم الخليفة المعزّ من المغرب إلى مصر، في شهر رمضان سنة 358هـ/972م، فخرج الناس لاستقباله ليلاً باختراع قاعدة من الخشب محاطة بالجلد الرقيق لحمايتها من الانطفاء.

الفانوس الذي ارتبط بشهر رمضان، ويغادر مع انتهاء الشهر الكريم، يبدو أنه سيظل ضيفاً لدى الكثير من الأسر المصرية، فالظلام الذي يسيطر على جنبات المدينة، جعل فائدة الفانوس الذي يعمل باستخدام "الشمع"، تتعدى الزينة في شهر الصيام، وبات ضيفا شبه دائم ينير للمصريين أيامهم مع انقطاع الكهرباء.